ليوناردو دافينشي هو رسام و مَثَّال إيطالي ولد عام 1452 في مدينة فينشي بمقاطعة شكانيا ، و توفي عام 1519 في فرنسا .
من هو ليوناردو دافينشي ؟
كان ليوناردو دافينشي ابناً غير شرعي لكاتب عقود فلورنسي بارز من فتاة ريفية صغيرة , و تكفله جده لأبيه و اهتم بتعليمه ، وبعد ذلك أخذه أبوه و عاش مع إخوته لأبيه و تلقى تعليماً ممتازاً في فلورنسا التي كانت مركز الإشعاع الفكري و موطن الفن في ايطالي .
كان ليوناردو في أيام طفولته الأولى منغمساً بمشاهدة الطبيعة و الاستمتاع بها ، و يُقال أنه في ميلاده ولد معه فنّه الخاص حتى أنه و هو طفل صغير استطاع أن يرسم لوحة لأحد الفلاحين على حائط بيته ، تدل على عبقرية غريبة إلى درجة أنه كان يقضي الأغلبية العظمى من أيام حياته في النظر و التأمل و الرسم و التصوير .
و لقد عبر ليوناردو عن حبه للطبيعة و علاقته بها فيما بعد بعدد من أقواله المأثورة حيث يقول : " يجب أن تكون بين الفنان و الطبيعة علاقة قرابة و مودة ، يشاهدها و يستمتع بها و يحاكيها دون وسيط " .
و يُلاحظ أن مشاهدة ليوناردو للطبيعة و للناس لم تكن مشاهدة عادية ساذجة بل كانت مشاهدة دقيقة ذات عدة أبعاد تُعينه على تصوير أدق و فن أجود و دليلنا على ذلك ، هو دقة المشاهدة عند دافينشي حيث جمع المزايا العشر للتصوير و الصفات الجميلة في :-
- الضوء
- الظلال
- الألوان
- الأجسام
- التجسيم
- الوضع
- البعد
- القرب
- الحركة
- السكون .
و يبدو أن ليوناردو لم يكتف بمشاهدة الطبيعة و الناس مشاهدة دقيقة ، ومن عدة أبعاد - أي مشاهدة موجهة - و إنما كان يشاهد أيضاً ، و يلاحظ منذ طفولته اللوحات الفنية و أعمال التصوير و النحت ، التي كانت منتشرة في بيت أبيه من جهة ، و في كافة أرجاء المدينة و ايطاليا من جهة أخرى .
حينما رأى الأب أن ابنه ليوناردو الطفل ينغمس في أعمال التصوير و الرسم و النحت و محاكاة الطبيعة و تقليد الأعمال الفنية للآخرين وجد أن خير طريق لابنه هو أن يتجه في هذا الاتجاه الذي يميل إليه و الذي يأخذ معظم وقته .
حينئذ جمع الأب نماذج من أعمال ابنه و عرضها على أندريا ديلفيروكيو الصائغ المشهور و المصور و النحات و المعماري و الموسيقي ، و رأى أن ليوناردو من خلال أعماله، أنه نابغة بين أقرانه . و قد التحق بمرسم هذا الأستاذ عام 1464، أي حينما كان يبلغ الثانية عشر من عمره .
و تدرج دافينشي في السلم الفني و اكتسب طريقة و أسلوب أستاذه في كثير من الأعمال الفنية و تلقى نقده و توجيهاته ، حتى أصبح بعد ذلك كبير المساعدين بمرسم فيروكيو و رئيس قسم التصوير بالمرسم .
و لقد ذكر ليوناردو فيما بعد أن عمله ضمن مجموعة من الناشئين تحت إشراف الأستاذ فيروكيو هو أفضل بكثير مما لو كان قد عمل منفرداً .
حصل ليوناردو عام 1472 على عضوية جمعية سان لوكا ( نقابة الفنانين الفلورنسين ) و أتاحت له تلك العضوية الاتصال بغيره من الفنانين و مشاهدة و نقل و تحليل و نقد الفنانين لأعماله .
و في مرحلة الشباب استطاع ليوناردو أن ينفِّذ و يُصمم الكثير من الأعمال الفنية منها صورة العذراء و الصخر ، و آنية الزهور ، و صورة السيدة و الطفل و صورة البشرى و صورة الملاك ، و صورة لوحش جرافي ، و قد أجمع ناقدو الفن على أن هذه الأعمال لليوناردو متأثرة في كثير من تفاصيلها و جزئياتها و أسلوبها و طريقة إعدادها بمنهج أستاذه فيروكيو .
ليوناردو دافينشي في ميلانو
لم تأتِ سنة 1478 إلا وقد أصبح أستاذاً في فن الرسم ، و ترك فلورنسا ، و في سن الثلاثين التحق بخدمة دوق ميلانو و لذلك قصة : -
فقد أوفده لورنزو ديمديتشي عام 1482 إلى حاكم ميلانو حاملاً له هدية و لم تكن الهدية سوى آلة موسيقية غريبة التركيب جميلة الصوت ، و هي من اختراع حاملها نفسه , و كان يعزف عليها بمهارة فائقة .
و قدم دافنشي طلباً للعمل إلى حاكم ميلانو و ذلك بوصف نفسه بأنه مهندس حربي و مدني و مخترع لجميع أنواع آلات الحرب المخيفة و القذائف الحربية و أنه رسام و نحّات ناجح .
و في سنة 1493 و أثناء إقامته في ميلانو رسم صورته المشهورة العشاء الأخير في كنيسته القديسة ( دل جرازي) يُبرز الملامح و الانفعالات التي تبدو على وجه الحواريين لاستطلاع نبأ أن أحدهم هو الذي يخون المسيح و يسلمه .
و بالرغم من مهارته الفائقة لم يكن سريعاً في عمله حتى أخذ الدوق يلومه على إبطائه في رسم اللوحة , فما كان على دافنشي إلا أن أخذ يشرح للدوق كيف أنه من الضروري للفنانين أن يتفهموا الأشياء قبل أن يرسموها .
أشهر لوحات دافينشي
و من أشهر لوحات دافنشي الخالدة صورة "موناليزا " التي رسمها سنة 1503 و قد ظلت لوحة هذه المرأة بعينيها المتلالئتين و ابتسامتها الغامضة تُعتبر أجمل ما أنتجه الفن في التعبير عن مكانة المرأة .
لوحة الموناليزا " لجوكندا"
لوحة الموناليزا ( لجوكندا) 1503 : هي عبارة عن لوحة فنية زيتية لصورة امرأة بمقياس ( 77 سم ، 53 سم ) و التي رسمها الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي سنة 1503 ميلادية , و موجودة حالياً في متحف اللوفر بباريس رقمها 1601 .
لقد كان جمال لوحة الموناليزا في ابتسامتها الآسرة .
تحتوي اللوحة على النصف العلوي من جسد موناليزا ( أي من الوجه حتى البطن تقريباً ) و تحتل مساحة كبيرة في اللوحة و هي واضعة يدها اليمنى على يدها اليسرى و هما فوق بطنها . ( و قد قيل حامل ) .
وكذلك وضع الفنان خلفية وراء صورة موناليزا و هي عبارة عن منظر طبيعي أخاذ .
تعريف الموناليزا ( الجوكندا)
ولدت ليزا غيزار ديني lisa gherardini سنة 1479 بمدينة فلورنسا الإيطالية و هي ثالثة زوجات فرانشيسكودال جيوكندو و هو قاضي من قضاة مدينة فلورنسا سنة 1495.
زار فرانشيسكودال جيوكندو الفنان ليوناردو دافنشي و كان آنذاك في الخمسين من عمره و طلب منه أن يرسم صورة لزوجته محاولاً أن يواسيها و يعزيها بوفاة ابنتها الصغيرة ، حيث تردد الفنان في بداية الأمر لأنه لم يكن يرسم صوراً ، و لأنه كان مشغولاً جداً ، و لكنه سرعان ما عدل عن رأيه في اللحظة التي رأى فيها زوجة القاضي .
كانت في ذلك الوقت الموناليزا تبلغ من العمر 24 ، و لكن لم تكن من النساء الرشيقات ذوات التقاطيع الدقيقة و الأكتاف الضيقة ( و هي الصفات المحبوبة في المرأة في تلك الأيام ) .
لقد كان جمال موناليزا في ابتسامتها فقد كانت تتحلى بابتسامة آسرة , لقد وقفت الموناليزا أمام ليونارد دافنشي سنة كاملة . و لتثبيت الابتسامة على شفتيها ، فإن دافينشي خلق جوا خاصاً غير مألوف فقد أحضر موسيقيين إلى الأستوديو وجعلهم يعزفون قطعاً موسيقية من وضعه , كما أحضر مغنين و مهرجين ليؤدوا أدوارهم حينما تكون الموناليز تأخذ الوضع المناسب للرسم .
و بدأ ليوناردو يرسم الصورة مستعيناً بخياله لمدة 9 سنوات أخرى حتى تمت اللوحة .
موناليزا : أسمى ما وصل اليه الفن
بعد بضع سنوات من إتما لوحة موناليزا , بدأت العروض تتهاطل لشرائها ، حيث توصل فرنسوا الأول ملك فرنسا من شراء اللوحة من دافنشي بأربعة آلاف ريال ذهب .
و لم تكن اللوحة التي اشتراها فرنسوا مجرد رسم لزوجة قاضي قضاة فلورانسا بل لوحة الموناليزا التي أصبحت تعتبر النموذج المثالي للجمال , و حسب قول Vasari : قد استعمل ليوناردو كل الحيل المتقنة لتسلية السيدة حتى تبقى ابتسامتها .
و لقد رُسمت الموناليزا بعد ليوناردو عشرات المرات و لكن لم تستطع أي لوحة منها أن تنجح في الكشف عن سر جاذبية تحفة دافنشي الخالدة .
موناليزا في متحف اللوفر
حُفظت اللوحة في متحف اللوفر في باريس , و يقارب المائة ألف سنوياً من الزائرين يؤمون لمشاهدة الموناليزا .
و كان هناك شخص يأتي كل يوم حينما تفتح أبواب المتحف و لا يخرج منه إلا حينما يحين وقت إغلاقه قاضياً أكثر الوقت متأملاً الموناليزا . و ظل يزور المتحف يومياً طوال 6 سنوات .
و تتلقى إدارة المتحف رسائل بعض الأشخاص إلى لموناليزا كما لو كانت على قيد الحياة و هي أيضاً مصدر روحي و إلهام لعدد من الشعراء الشبان .
سر جاذبية تحفة دافينشي
لقد حاول الكثيرون استجلاء السر الكامن في ابتسامة الموناليزا , و يسمح متحف اللوفر للفنانين برسم هذا الكنز الثمين واثقاً من أن تقليد هذا الرسم تقليداً كاملاً في حكم المستحيل .
و بعد وفاة دافنشي بوقت قصير ضمن أتباع مدرسته في فن الرسم بفلورنسا أنهم بتجريد الموناليزا من ملابسها يستطيعون أن يجعلوها تفقد هذا السر , ولهذا فقد رسموها عارية ، لقد رُسمت العشرات من هذه الصور و لم يبق منها اليوم سوى 16 صورة , و لكن لم تستطع أي لوحة منها أن تنجح في الكشف عن سر جاذبية تحفة دافنشي الخالدة .
إن لوحة ليوناردو دافنشي تحوي إمرأة بعينيها المتلألئتين , تحمل معها لغز ابتسامتها .
فناء دافينشي و خلود لوحته
في الواقع أن دافنشي كان من عظماء الرجال الخالدين و كان قد دعاه الملك فرانسيس الأول ملك فرنسا بعد أن قابله في ميلانو و طالما تكررت هذه الدعوة و هذا الإغراء له ، لينضم في الأخير إلى بلاطه حيث البحث عن السعادة و الأمن الذي لم يجده في ايطاليا نظراً للتقلبات السياسية هناك .
و لكنه سرعان ما مرض , و كتب في مذكرته بخط يده حينما شعر بقرب منيته :
" حينما كنت أظن بأنني كنت أتعلم كيف أعيش لم أكن في الواقع أتعلم إلا كيف أموت " و في هذه اللحظة صعدت روح الفنان إلى بارئها سنة 1519.