في بلدة بسكنتا اللبنانية ، التي يتوجها جبل صنين بهامته البيضاء ، و ينساب من تحتها وادي الجماجم ولد ميخائيل نعيمة في السابع عشر من تشرين الأول ( أكتوبر ) عــام 1889م .
سيرة ميخائيل نعيمة
كان ميخائيل الابن الثالث لأبويه بين خمسة إخوة و أخت واحدة . كان أبوه مزارعاً ، و قد أخذ منه الصبر و القناعة و المسالمة و الميل إلى التأمل .
في حين ورث عن أمه الطموح و حب النفوذ . و قد أرسلته إلى المدرسة الابتدائية الروسية في بسكنتا حيث برع في اللغة العربية ، و كان أقصى ما تصبو إليه أن ترى في بيتها كتباً و دفاتر و أقلاماً و محابر .
ثم انتقل إلى مدرسة المعلمين الروسية في الناصرة بفلسطين و في أواخر عام 1906 وصل ميخائيل نعيمة إلى ولاية أوكرانيا الروسية ، و بقي إلى سنة 1911 و نهل خلال هذه الفترة من معين الأدب الروسي و أعلامه الكبار من أمثال تولستوي و ديستويفسكي و تورجنيف و غيرهم .
و بعد عودته إلى لبنان التقى أخاه الأكبر ( أديب ) العائد - حينذاك - من أميركا لزيارة أهله ، فأقنعه باصطحابه إلى أميركا و وصل في عام 1911 إلى ولاية واشنطن ، حيث درس الحقوق في جامعة واشنطن ، ثم تخرّج فيها عام 1916 .
و لم يلبث أن ارتحل إلى نيويورك ليشارك في تحرير مجلة الفنون التي أنشأها ( نسيب عريضة ) .
و كان نعيمة يميل إلى الأدب منذ صغره ، لذلك لم يمارس المحاماة بعد تخرجه .
و إذ اشتركت الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى انتظم نعيمة في الكتائب التي أُرسلت إلى فرنسا ، و بقي بها بعد الحرب نحو سنتين يدرس في جامعة ( رين ) تاريخ الآداب و الفنون .
ثم عاد إلى أمريكا ، فأسس مع جبران و رفاقه الرابطة القلمية و أُنتخب أميناً لسرها ، في حين ترأسها جبران .
شارك نعيمه بمقالاته و أشعاره و نقده في الصحافة المهجرية ، فقد أُعجب بمجلة الفنون التي كان يصدرها نسيب عريضة , و اطلع على رواية الأجنحة المتكسرة لجبران .
و كانت مقالته النقدية ( فجر الأمل بعد ليل اليأس ) ، باكورة مقالاته ، وقد رد بها على أحد الكتاب السوريين ، و من ثم أخذ يكتب في مجلات ( الفنون ) و ( السائح ) و ( السمير ) .
وفي ليلة العاشر من أبريل عام 1931 توفي جبران خليل جبران ، و في التاسع عشر من أبريل من العام التالي 1932 استقل نعيمه الباخرة من ميناء نيويورك إلى بيروت ، حيث استقبل في بلدته بسكنتا استقبالاً حاراً ، و لقي فيها احتراماً و تكريماً لمنزلته الأدبية .
و جُمعت أحاديثه و كلماته التي أُلقيت في احتفالات تكريمه في كتابه المسمى ( زاد المعاد ) .
و لزم نعيمة بلدته ( بسكنتا ) حيث عاش في عزلة أو شبه عزلة زاهداً في الدنيا و زخرفها حيث كان يقضي معظم نهاراته في أحد الكهوف - لذا لُقب بـ ناسك الشخروب - .
و لكنه لم ينقطع عن التأليف ، فقد زود المكتبة العربية بإنتاجه الأدبي الروحي ، و كان يقابل طلبة العلم بلطفه الذي عرف به ، و ظل يشارك بمقالاته في الصحف الأدبية ، كما شارك في عدة مؤتمرات أدبية ، منها مؤتمر عقد في دمشق عام 1956 و ألقى فيه محاضرة بعنوان الأديب الناقد .
إنتاج ميخائيل نعيمة الأدبي في المهجر
يُعد نعيمة أبرز أدباء المهجر و أرسخهم في النثر الأدبي ، فهو قاص روائي ، و مسرحي ، و ناقد كبير ، و كاتب مقالة من الطراز الأول فقد أصدر و هو في مهجره كتاب : ( الآباء والبنون ) و كتابه النقدي ( الغربال ) .
و الكتاب الأول يشتمل على رواية تمثيلية ذات أربعة فصول ، و قد طُبع في مطبعة ( شركة الفنون ) في نيويورك عام 1917 .
أما الكتاب الثاني فقد طُبع في مصر عام 1923 بتقديم الأستاذ عباس محمود العقاد . وقد جعله في قسمين :
- الأول يحوي مقالاته التي عُرفت بالمقاييس الجديدة ، و حدد فيه منهجيته في النقد ، و بين واقع الأدب العربي في زمنه .
- الثاني تطبيق عملي لتلك المقايس ، إذ عُرف بحسه النقدي الذي مكنه من نقد كتب و دواوين عربية و غير عربية صدرت في المهجر و البلاد العربية .
وقد قال العقاد في تقديمه للكتاب : لو لم يكتب قلم النعيمي هذه الآراء لوجب أن أكتبها أنا .
أما مؤلفاته اللاحقة ، فتمثل إنتاجه الأدبي في المهجر ، الذي نُشر بعد عودته إلى لبنان ، و هي :
- ( همس الجفون ) شعراً
- ( كان ما كان ) مجموعة من الأقاصيص
- ( المراحل ) مقالات
- ( مذكرات الأرقش ) قصة.
إنتاج ميخائيل نعيمة الأدبي بعد عودته من المهجر
و من إنتاج ميخائيل نعيمة الأدبي في لبنان ، الذي كتبه بعد عودته من المهجر ، ومنها :
- ( جبران خليل جبران )
- ( زاد المعاد )
- ( لقاء )
- ( البيادر )
- ( صوت العالم )
- ( النور و الديجور )
- ( كرم على درب )
- ( مرداد ) بالإنجليزية و العربية
- ( دروب )
- ( أكابر )
- ( أبعد من موسكو و واشنطن )
- ( أبو بطة )
- ( سبعون ) في ثلاثة أجزاء
- ( اليوم الأخير )
- ( هوامش )
- ( أيوب )
- ( يا ابن آدم )
- ( في الغربال الجديد )
- ( أحاديث مع الصحافة )
- ( نجوى الغروب )
- ( وسائل )
- ( وحي المسيح )
- ( ومضات ) .
ففي كتابه عن جبران رسم من خلال فصوله صورة جبران كما عرفها هو - أي نعيمة - لا كما صوره الناس في الشرق أسطورة من الأساطير و من ثم تعرض كتابه للنقد ، و وجد فيه بعض النقاد تحاملاً على جبران فانتقد الريحاني كتابه ، ورد عليه نعیمة رداً قاسياً .
و قارن عيسى الناعوري بين ما كتبه نعيمة بوصفه رفيقاً لجبران طوال فترة طويلة امتدت لسنوات ، وما كتبته ( بربارة يونغ ) سكرتيرة جبران خلال سنواته الأخيرة . فذكر أن رواية نعيمة تشعر القارئ بالنفور والحذر من هذا الإنسان الذي يعيش على خداع نفسه و خداع الآخرين ، في حين يشعر في رواية بربارة بأبلغ الإعجاب و المحبة لروح جبران التي تعيش في صراع دائم لأجل الكمال و شتان ما بين الصورتين .
القصة والرواية في ادب نعيمة
يُعزى إلى نعيمة فضل الريادة في القصة القصيرة ، هو و محمد تيمور الأديب المصري المعروف ، إذ نُشرت أول قصة فنية لكل منهما في سنة واحدة هي 1917.
فتيمور بدأ ينشر قصصه القصيرة في صحيفة ( السفور ) العدد (107) الصادر في 7 يونيو سنة 1917، بعنوان ( ما تراه العيون ) في حين كتب نعيمة قصته الأولى ( العاقر ) في السنة نفسها ، وجعلها ضمن مجموعة قصصية بعنوان ( كان ما كان ) .
عالج نعيمة في أدبه كتابة القصة و الرواية ، سواء في المهجر أو بعد عودته إلى لبنان فقد كتب عدداً من الأقاصيص المتفرقة في عدد من كتبه مثل ( صوت العالم ) و ( النور و الديجور ) و غيرها .
أقدم نعيمة على كتابة الرواية ، و تُعد رواية ( لقاء ) من أبرز ما كتبه ، ففيها وضع خلاصة فكره وعقيدته مقتفياً أثر فكرة صوفية فلسفية تعود جذورها إلى مذهب وحدة الوجود و التناسخ . و وظفها في روايته التي كتبها في لبنان بعد عودته من أميركا بزمن طويل ، إذ صدرت عام 1946، عقب الحرب العالمية الثانية بسنة واحدة و هي بشكل عام مغامرة فردية أقدم عليها .
و هو المعروف بتفوقه في القصة القصيرة ، إلا أن هذه المغامرة جاءت متأخرة في غير زمانها و في غير ظروفها أي أنها ولدت بعد انحسار الرومانسية وهيمنة الواقعية على مسيرة الأدب عالمياً و عربياً .
و من ثم فقد ناقش أشياء لا علاقة لها بالواقع ، في محاولة لإثبات أن قمة الحياة لا يمكن أن تُبلغ إلا حين تتطهر الروح من شهوات اللحم و الدم . و أن هذه المهمة ليس باستطاعتها إدراك هذا الصفاء الروحي النادر الذي يستلزم أجيالاً و أجيالا.
و لعل هذا هو السر في أن رواية لقاء لم يكن لها التأثير الذي كان لكتاباته الأخرى .
إن نعيمة لم يفلح في إبداع نثر روائي كبير ، و ظلت روايته مغامرة فردية لم يكتب لها النجاح الذي كان ينتظره نعيمة نفسه فضلاً عن أنه كتبها في غير زمانها ، فقد أراد أن يجعلها بوقاً لترويج معتقداته و تأملاته الفلسفية .
لقد سار نعيمة في روايته على نهج جبران سواء في أسلوبه التصويري أو في خياله الأسطوري ، لكنه ظل محتفظاً بتفوقه الفلسفي و تأملاته الروحية ، ليقدم عملاً روائياً فيه من وحي الرومانسية ، و من عمق الفلسفة و من سذاجة الأسطورة .
تدور الرواية حول علاقة حب روحية بين قلبين ظلا مرتبطين بها بعد ولادتهما الأولى قبل ألوف من السنين تتجسد من خلالها المعاني الفلسفية المتمثلة في الصراع بين الجسد و الروح ، يتم لقاء الحبيبين فيها ، بعد أن غادرا الدنيا .
و يبقى حقاً أن هذه الرواية تخدم الفكرة التي آمن بها الكاتب و هي فكرة تقوم على مذهب التناسخ ، و على مزج عالم الأسطورة بعالم الحقيقة ، قدمها نعيمة في ثوب رومانسي أسطوري ، لكنه لم يوفق في إقناعنا بما يريد أن يقول ، و لم ينجح في هذا العمل الروائي و لم يكن له نفس التأثير الذي نلمسه في كتاباته الأخرى .
توفي نعيمة عام 1988 عن عمر يناهز المائة سنة .