غادة السمان أديبة متعددة الأبعاد و الفعاليات , فهي قاصة روائية و كاتبة مقالة ، و صحافية متمرسة أعطت أدبنا الحديث نكهة ذاتية ، منذ دخلت إلى عالم الأدب في أوائل الستينات من القرن الماضي .
و شكلت ظاهرة أدبية لمعاناة الإنسان المعاصر ، جعلتها رائدة في مجالها ، و وضعتها في مصاف الروائيين الكبار و أكسبتها شهرة واسعة سواء بجرأتها و قوة شخصيتها ، أو بلغتها الشاعرية و سردها النثري .
و عنها قال الشاعر محمد مهدي الجواهري : أنا فخور جداً بما تكتبه غادة السمان . قرأت لها فدُهشت و افتخرت بنفسي و افتخرت بأن تكون للأمة العربية كاتبة بهذا المستوى .
نشأة غادة السمان
في بيت دمشقي قديم على مقربة من الجامع الأموي ولدت غادة السمان عام 1942 بدمشق , حيث أقواس نصر طفولتها الأعلى من قوس النصر الذي شيده نابليون في ساحة نجمته .
و نشأت في بيت علم و ادب , فأبوها أحمد السمان مدير جامعة دمشق في ستينات القرن الماضي ، و قريبها نزار قباني الذي أحدث انتفاضة في الشعر العربي الحديث .
فُجعت غادة بوفاة أمها و هي صغيرة ، فتعهدها والدها : و هو رجل مثقف على دراية بالتراث العربي و محب للأدب ، فقد علمها القرآن الكريم و شجعها على قراءة هذا التراث و مطالعة الشعر الإنجليزي ، و تعلمت اللغة الفرنسية ، فكانت تتكلم بها كواحدة من بنات نهر السين .
درست الأدب الإنجليزي في كلية الآداب بجامعة دمشق و تخرجت فيها عام 1963، حاملة شهادة ليسانس في الآداب ، ثم التحقت بالجامعة الأميركية في بيروت ، حيث نالت شهادة الماجستير في مسرح اللا معقول .
و استقرت في بيروت ، رافضة المثول أمام شعبة المخابرات السورية ، بحجة أنها من حملة الشهادات العالية ، و غادرت سوريا دون إذن مسبق ، و من ثم حكم عليها بالسجن لثلاثة أشهر .
عملت في الصحافة البيروتية ، و كانت بيروت إذ ذاك مركزاً للإشعاع الثقافي قبل أن تداهمها الحرب في السبعينات من القرن الماضي .
مسيرة غادة السمان الأدبية
بدأت غادة السمان مسيرتها الأدبية منذ كانت طالبة على مقاعد الدراسة الثانوية ، إذ كتبت أول قصة لها بعنوان ( أكرهك ) نشرتها في مجلة المدرسة ، و كان اسمها من وحي الرياضيات و كانت تنظم الشعر ، و لكنها لم تنشر قصيدة منه .
كانت مجموعتها القصصية ( عيناك قدري ) 1962 باكورة إنتاجها القصصي ، و أصبحت منذ ذلك الوقت كاتبة نسوية شأنها شأن كل من الروائيتين كوليت خوري ، و ليلى بعلبكي ، ثم ظهرت مجموعتها الثانية ( لا بحر في بيروت ) عام 1965.
أمضت سنوات في أوربا حيث عملت مراسلة صحفية نهلت خلالها من معين الأدب و الثقافة ، و ظهر أثر ذلك في مجموعتها الثالثة ( ليل الغرباء ) التي بدت فيها أكثر نضجاً ، و قد أشاد بها محمود أمين العالم الناقد المصري المعروف .
كانت هزيمة الخامس من حزيران 1967 صدمة لغادة و جيلها من أمثال سعد الله ونوس الكاتب المسرحي المعروف . و إذ ذاك كتبت مقالها الشهير ( أحمل عاري إلى لندن ) .
و في عام 1973 أصدرت مجموعتها الرابعة ( رحيل المرافئ القديمة ) ، و تُعد الأهم بين مجاميعها ، و قد قدمتها بأسلوب أدبي بارع ، و بينت الهوة السحيقة بين فكر المثقف العربي و سلوكه .
و في عام 1975 أصدرت روايتها ( بيروت 75 ) تناولت الواقع المر لبلد يتمتع بالجمال ، ما لبث أن انقلب إلى وحش جهنمي يتأهب للانقضاض .
و سُرعان ما اندلعت الحرب الجهنمية . و قد بقيت غادة في بيروت طوال الحرب الأهلية ، فكانت شاهدة على تلك المحنة ، إذ حملت لنا ما يمكن أن تقوله ، و حملت لنا ما لا تعرفه عن خفايا تلك الحرب و تفاصيلها و معاناتها فكان لها تأثير إيجابي على إنتاجها ، كأنما هي نبتة الكمأة - الفقع - الصحراوية التي لا تنمو إلا في ظل الرعد . إذ تسمعها تقول على لسان عرافة من شخصيات الرواية أرى الدم ، أرى كثيرا من الدم .
و ما لبثت أن نشبت الحرب الأهلية بعد بضعة أشهر من صدور الرواية ، و كانت هذه الحرب انعطافة مهمة في حياة غادة السمان و أدبها ، فقد أعادتها مواطنة في بلاط العذاب البشري متلاحمة مع إخوتها في العذاب ، و الرفض لأشكال القمع كافة و ذاقت مرارة الحرب و سجلته في رواية ( كوابيس بيروت ) التي تُعد امتداداً لرواية ( بيروت75 ) .
و قد ختمت بيروت 75 بمجموعة من الكوابيس ، و تحدثت في آخر كابوس منها عن رجل هارب من مستشفى المجانين، ينتزع لافتتها ، و يزرعها أمام مدخل بيروت حيث يقرأها الداخل إليها .
و في عام 1986 كتبت رواية ( ليلة المليار ) تدور أحداثها في فترة حصار بيروت ، انتقلت فيها إلى أنواع أخرى من الحصار يتعرض لها الإنسان العربي من قوى القمع ، التي جعلت حصار بيروت أمراً ممكناً .
و بصدور هاتين الروايتين أصبحت غادة السمان واحدة من أهم الروائيين و الروائيات في العالم العربي .
ثم صدرت لها ( الرواية المستحيلة : فسيفساء دمشقية ) عام 1987، و ( سهرة تنكرية للموتى ) عام 2003.
غادة السمان أديبة ملتزمة ، فقلمها حر يتحسس ما يدور حوله ، و هي كاتبة إنسانية التزمت بقضايا الإنسان العربي على وجه الخصوص من أجل الحرية و الفرح .
و جمعت في أسلوبها الأدبي بين تيار الوعي و الصورة ( المسجلة فيديو تيب ) مع نبض شعري متميز وكما اكتسبت انتشاراً واسعاً في العالم العربي .
و قد اشتهرت في الغرب عن طريق الترجمات ، إذ تُرجمت بعض قصصها القصيرة إلى لغات عالمية منها الإنجليزية و الفرنسية و الألمانية و الفارسية و غيرها .
كما تُرجمت بعض رواياتها ، فقد أنجزت المستشرقة البولونية ترجمة روايتها ( كوابيس بيروت ) و ترجمت روايتها ( بيروت 75 ) إلى الفرنسية استكمالاً لنيل شهادة الماجستير .