هل حلمت الليلة الماضية ؟ إذا كان هذا قد حدث ، فإنه من المحتمل أن أحلامك كانت تدور حول حوادث جرت في اليوم السابق ومن المحتمل أيضاً أنك قد طرحتها جانباً ثم أخذت ذاكرتك تستعيدها أثناء النوم .
منذ حوالي ٤٠٠٠ سنة ، عندما حلم فرعون مصر بأن ( سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، و سبع سنبلات خضر و أخر يابسات ) . كان اعتقاده في جدية الأحلام سبباً في ألا يترك هذا الحلم يمر مر الكرام . و لم يكن ليهدأ باله إلا إذا تمكن من إيجاد تأويل كامل له .
و كلنا يذكر كيف أن يوسف أُستدعي من سجن فرعون ، و كيف فسر له الحلم بأن السبع بقرات السمان و السبع سنبلات الخضر تعني سبع سنوات تزدهر خلالها المحاصيل في أرض مصر ، و أن السبع بقرات العجاف التي أكلت السبع السمان ، و السبع سنبلات اليابسات التي التهمت السبع الخضر ، تدل على سبع سنوات تسود فيها المجاعة بعد ذلك .
و قد سر فرعون أيما سرور بهذا التفسير ، لدرجة أنه عين يوسف رئيساً لوزرائه ، و حمله مسؤولية العمل على تخزين الاحتياطي اللازم من الغذاء من فائض محاصيل سنوات الازدهار ، ليتغذى به المصريون في سنوات المجاعة.
غير أن قليلاً من الناس اليوم هم الذين يؤمنون بالأحلام ، كما كان يؤمن بها فرعون مصر ، بل إن قليلين أيضاً هم الذين يمكنهم الإدعاء بأنهم يستطيعون تفسير الأحلام بإيحاء رباني كما فعل يوسف ، ذلك أن الكثيرين يرون أن أحلامهم ما هي إلا أجزاء من الحوادث التي تمر بهم في حياتهم اليومية ، و تستعيدها ذاكرتهم أثناء النوم.
و إذا كانت تفاصيل الحلم غير دقيقة ، أو أن الصور فيه غير واضحة ، فإن ذلك لا يدعو إلى الدهشة ، لأن الذاكرة قد تنتابها فترات من السهو ، في حين أن للإنسان مقدرة عظيمة على التخيل .
هذا و يعتقد بعضهم أن الأحلام تنشأ عن إحساسات تنتاب الشخص أثناء النوم ، فانحراف طرف الغطاء مثلاً و وقوعه فوق رأس النائم مصادفة ، قد يتحول في الحلم إلى موجة عالية تغمره و هو يستحم في البحر , و قد تتحول دقات الساعة الموضوعة إلى جانب الفراش إلى دقات مطارق .
و مما يُقال إن الأحلام التي من هذا النوع تأتي عادة في أعقاب عشاء دسم متأخر كما أن هناك اعتقاداً بأن بعض أنواع الطعام ، و لاسيما الجبن ، تسبب مثل هذه الأحلام .
التفسير العلمي للأحلام
غير أن الأحلام لها تفسير جد مختلف من وجهة نظر العلماء النفسانيين الذين يدرسون تصرفات العقل البشري الطبيعي ، و لدى علماء التحليل النفسي الذين يدرسون تصرفات العقول الشاذة .
و يقول هؤلاء إن الأحلام هي الوسيلة التي تستعيد بها الذاكرة بعض المشاكل التي لم نتمكن من حلها في الماضي و ربما في الماضي البعيد جداً . و يحدث أحياناً ، في أثناء الحلم ، أن تلك المشكلة تجد حلاً ، و بذلك يكتسب الحالم طمأنينة و ثقة .
وفي بعض الأحيان لا تُحل المشكلة سواء في الحلم أو في اليقظة ، و تكون النتيجة أن الحلم يتكرر مرة بعد أخرى . مما يسبب للحالم قلقاً و اضطراباً .
و يقول بعض الناس إنهم يحلمون كل ليلة ، فى حين أن بعضهم الآخر يقولون بأنهم لا يحلمون إطلاقاً . و هؤلاء الذين ينكرون أنهم يحلمون قد يكونون مخطئين ، إذ أنه من المحتمل أنهم يحلمون ، مثلهم مثل أي شخص آخر ، غير أنهم لا يستطيعون تذكر أحلامهم عندما يستيقظون .
و من المألوف أن معظمنا يستطيع أن يتذكر مناسبة أو أخرى تكون فيها بعض الحوادث اليومية سبباً فى أن نتذكر فجأة حلما رأيناه في الليلة السابقة ، و كنا قد نسيناه تماماً ، و في ذلك نقول عادة : ( آه ! كنت قد نسيت الحلم ) .
الفترة التي يستغرقها الحلم
كان الاعتقاد في وقت ما أن الزمن الذي يستغرقه الحلم جد قصير ، حتى لقد قيل بأن أطول الأحلام لا يستغرق سوى ثوان قليلة .
غير أن هذه الفكرة أمكن دحضها أخيراً عن طريق التجارب التي أُستخدم فيها جهاز خاص يُسمى ( الرسام الكهربائى للمخ Electroencephalograph ) ، الذي يقيس النشاط الكهربي للمخ ، أو ما يُسمى بالأمواج المخية Brain - waves التي تنتقل من خلال الجمجمة .
و يتكون هذا الجهاز من أقطاب صغيرة تُثبت خارج الرأس لالتقاط الموجات ، و به مكثف لتسجيل هذه الموجات على شريط من الورق .
و في التجارب المُشار إليها ، أُستخدم الرسام الكهربائى المذكور لملاحظة الموجات المخية التي تنبعث من المخ في فترة نوم طويلة .
فعندما كان الأشخاص الذين تُجرى عليهم التجربة مستغرقين في نوم عميق . لوحظ أن الموجات التي سجلها الجهاز عالية ، و ذات انتشار واسع .
ثم لوحظ أنه على فترات تبلغ كل منها حوالى ٩٠ دقيقة ، يقل ارتفاع الموجات ، و يزداد ترددها ، و فى نفس الوقت لوحظ أن الأشخاص موضوع التجربة أصبحوا أقل استرخاء و خف نومهم . و قد استمر النوم الخفيف مع الموجات الأقل ارتفاعاً حوالي نصف ساعة ، قبل أن يعود النائم إلى حالة النوم العميق ، و تعود الموجات البطيئة العالية .
و عند إيقاظ هؤلاء الأشخاص و هم فى حالة النوم العميق ، لوحظ أن نسبة قليلة منهم ذكروا أنهم كانوا يحلمون ، و حتى هؤلاء لم يستطيعوا أن يقصوا أحلامهم إلا بصورة تقريبية .
ثم لوحظ أنه فى حالة إيقاظ أشخاص التجربة و هم في حالة النوم الخفيف ، أنهم كانوا يحلمون ، و استطاعوا وصف أحلامهم بتفصيل دقيق .
و يبدو من ذلك أن الأحلام تجربة تمر بالناس أجمعين على فترات طيلة مدة النوم الليلي ، و أنها ترتبط بفترات نوم خفيف ، و نمط خاص من الموجات المخية . و علاوة على ذلك ، فإن الليل كلما تقدم و اطرد فيه النوم ، فإن فترات النوم الخفيف تتزايد في طولها باطراد ، إلى أن يقترب الفجر فيصل طول الفترة منها إلى ما يقرب من نصف ساعة .
فإذا كانت الأحلام تنبىء بالمستقبل ( كما كان يعتقد فرعون مصر ) . فمن الواضح أن تفسيرها يُصبح أمراً ذا أهمية ، و كذلك الحال إذا كانت أحلامنا ما هي إلا رسائل من الآلهة كما كان يعتقد الإغريق القدماء . و لذا فليس من المستغرب أن يُكافأ يوسف على مهارته، و أن يتقاضى أولئك الذين يدعون القدرة على تفسير الأحلام أجوراً نقدية على خدماتهم .
و حتى فى يومنا هذا ، فإن أفراد طوائف الغجر لا يزالون يتقاضون الأجر النقدي مقابل قيامهم بهذا العمل البسيط . كما أن الخدمات التي يؤديها المحللون النفسانيون لا يمكن أن توصف بأنها لا تتكلف كثيراً .
نشأة التحليل النفساني للأحلام
و قد حاول أولئك الذين لا يعتقدون فى الخرافات ، أن يضعوا شروحاً اجتهادية لموضوع الأحلام . و من أشهر هذه الشروح ما قدمه أحد الأطباء الذي أصبح اسمه الآن على كل لسان . و هو سيجموند فروید Sigmund Freud .
و قد ولد فرويد في فرايبورج بمورافيا عام 1856 . و لما بلغ الثالثة من عمره انتقل والداه الفقيران إلى فيينا . و هناك تدرج فى تعليمه إلى أن أتم دراسة الطب .
و فى بداية حياته كطبيب ، عمل فرويد في مجال الأمراض العصبية ، و لكنه بعد زيارة قام بها لعيادة الطبيب الفرنسي العظيم شاركوت في پاریس ، قرر أن يهجر دراسة المخ ، و يبحث فى خفايا العقل بدلاً منه . و كنتيجة لهذا التحول ، أمضى فرويد باقي حياته المهنية ، و هو يحاول تطوير ما نعرفه اليوم باسم التحليل النفسي .
و بعد أن تعرض فرويد للاضطهاد . هجر فيينا في عام ۱۹۳۸ و قصد لندن، حيث تُوفي بها في العام التالي .
نظرية فرويد عن الأحلام
يقول فرويد بأن الغرض من الأحلام هو حماية النائم من الأفكار المزعجة التي قد تُقلق راحته . فالطفل الذي يرغب فى اقتناء دراجة مثلاً ، و لكن أبويه يرفضان تحقيق رغبته ، يحلم بأنه يركب أعظم دراجة أمكن صنعها . و بهذه الطريقة تلبي رغبة الطفل ، و لا يتعرض نومه للاضطراب نتيجة الرغبة التي لم تتحقق في اليقظة .
أما فيما يختص برغبات و متطلبات الكبار ، فهي أشد تعقيداً ، و من ثم تَجيء أحلامهم أكثر تعقيداً . فالصور التي يراها الكبار فى أحلامهم لا تتعلق عادة بالرغبات التي تشغل بالهم في أثناء اليقظة . و لكنها تكون عبارة عن رموز ( تدل على تلك الرغبات ) . فالوالد الفظ قد يبدو في الحلم على هيئة ملك ، و الأبناء العاقون قد يبدون في هيئة حيوانات صغيرة .
وفى محاولته لتفسير الأحلام ، وجد فرويد أنه من الضروري أن يضع نظريته في إطار من التعقيد ، مما جعل كثيراً من العلماء يعتبرونها بعيدة عن العقل تماماً .
وفضلاً عن ذلك ، فإن هذه النظرية ، كمعظم دراسات العقل ، لا يمكن إثباتها بالتجارب المعملية ، غير أن آراء فرويد ، و آراء غيره التي انبثقت منها ، لها طابع الجدية ، و تُعتبر محاولات قيمة لإلقاء الضوء على إحدى المشاكل الإنسانية المحيرة .
معلومات خفيفة عن الأحلام
- عندما تحلم فإن حدقتيك تتحركان في مآقيهما ، وأحيانا تكون حركتهما حركة عنيفة .
- أن الأشخاص الذين يمنعون من أن يحلموا عدة ليال متعاقبة ( وإن كان يسمح لهم بالنوم إلى أن يبدأوا في الحلم ) ، تضطرب أعصابهم و تتوتر .
- هناك من يعتقدون أن أحلامهم تبدو لهم بالألوان ، في حين يعتقد آخرون أن أحلامهم تبدو باللونين الأبيض و الأسود فقط .
- أن بعض الأحلام تبدو أحياناً ذات طابع إيحائي ( تخاطري ) ، فيرى الحالم حادثاً لم يكن يعلم عنه شيئاً في حينه ، ثم يتبين فيما بعد أنه حدث فعلاً .
- أن بعض المواد المخدرة كالأفيون تُسبب لمن يتناولها أحلاماً سارة . إلا أن هذه العادة قد تصل بهذا الشخص إلى حد الإدمان إذا حاول الإكثار منها .