على بعد حوالى 48 كيلو متراً من مدينة سمرقند العتيقة في مقاطعة تركستان الروسية ، تقع بلدة كيش الصغيرة . و هنالك في عام 1336م ولد واحد من أعظم الغزاة في العالم . كان اسمه تيمور .
ولأن ساق تيمور بُترت و هو حدث ، أُطلق عليه لقب تيمورلنك ( و معناها تيمور الأعرج ) ، و منه حُرف اسمه في أوروبا إلى تامرلين أو تامبورلين .
أما عن نشأته فغامضة ، فطبقاً لإحدى الروايات ، فإنه ابن أحد رؤساء القبائل ، و تروي أخرى أنه ابن أحد الرعاة ، و أنه رُقي إلى السلطان عن طريق اللصوصية و قطع الطريق . و أياً كان ذلك ، فالمعروف أن تيمورلنك ارتقى عرش سمرقند عام 1370 م ، حاملاً اللقب الأخاذ ( عاهل ما وراء النهر ) .
كان تيمورلنك من التتار . و هو جنس من الشعوب اجتاح روسيا وآسيا الصغرى قبل ذلك بمائة و خمسين عاماً بقيادة جنكيزخان الشهير ( الذي أعلن تيمورلنك أنه من سلالته ) .
و لدى وفاة الخان العظيم عام 1227 م ، كانت إمبراطوريته أكبر ما عرف الإنسان من إمبراطوريات ، حيث امتدت من الصين إلى بولندا ، و لكنها منذ ذلك الحين تساقطت أشلاء . لذلك كان على تيمورلنك أن يناضل كما يناضل رؤساء التتر الآخرين و إعادة الأمجاد.
و لكن ظل شغل تيمورلنك الشاغل خلال الأعوام من 1370م إلى 1380م هو توطيد سلطانه في تركستان .
تيمورلنك و القبيلة الـذهبية
وجه تيمورلنك اهتمامه بعد ذلك إلى أشهر التتر أجمعين ، أولئك الذين استقروا حول موسكو و في شرق أوروبا . ذلك الشعب من البدو الدائب الترحال الذين يحملون معهم خيامهم و يستقلون مركباتهم ، و كانت على جانب من الفخامة والروعة حتى إنه أطلق عليهم اسم ( القبيلة الذهبية) .
و في عام 1380م لجأ أمير من هؤلاء القوم اسمه ( توکتامیش) إلى تيمورلنك ، و طالب ملك القبيلة الذهبية بتسليمه إياه ، لكن تيمورلنك أبى وتلت ذلك حرب لم تدم طويلاً ، فسرعان ما ولى تيمورلنك توكتاميش العرش ، على أن يدين له هذا الأخير بالطاعة .
تيمورلنك و بلاد الفـرس
بدأ تيمورلنك بالتحرك غرباً ، و في عام 1381م غزا بلاد العجم ( فارس) و لقد حدث هناك أن ذاع صيته في الإبادة الجماعية . و لما رفضت مدينة أصفهان الإذعان له و تمردت ، قرر تيمورلنك أن يجعل منها عبرة شنيعة ، فذبح من سكانها سبعين ألفاً ، و كُدست رؤوسهم في هرم ضخم رهيب .
إلا أن تيمور لنك لم يكن مجنوناً متعطشاً لسفك الدماء مفتوناً بالقتل ، لكنه كان يعتقد أن السبيل الوحيد لقهر شعب تلك البلاد الهمجي و إخضاعه لسلطانه ( ولقد شبه هو نفسه ذلك ذات يوم بترويض الذئاب الوحشية ) إنما هو بث الذعر في قلوبهم .
و في عام 1395م ، كان على تيمور لنك أن يحتك مرة أخرى بالقبيلة الذهبية ، عندما أعلن الملك الدمية توكتاميش العصيان عليه ، ففي منتصف الشتاء تحرك تيمور لنك و جيشه شمالا إلى أواسط روسيا ، و دحر القبيلة الذهبية مرة أخرى .
تيمورلنك و الهند وتركيا
و قد عاد تيمور لنك آنذاك إلى عاصمته سمرقند ، لكنه بالرغم من تجاوزه الستين عاماً ، إلا أن طاقاته الفائقة لم تكن لتسمح له بأن يظل ساكناً , فقد كان يحدوه الشوق إلى ساحة القتال ، و في هذه المرة اتجه نحو الهند ، حيث استولى على دلهي و دمرها حتى سواها بالأرض ، وتوطد حكم المغول (وهي مرادف للفظ المونغول) .
و في العام التالي جاء دور تركيا ، و كان الترك حينئذ يهددون أوروبا ، و لكن قُدر عليهم أن يتنحوا جانباً . ففي سنة 1402م حلت الهزيمة النهائية بالسلطان بايزيد فوق سهل أنقرة على يد جيش أصغر بكثير .
و عاد تيمور لنك مرة أخرى إلى عاصمته التي كان يُعيد بناءها على مستوى فخم ، لكنه مرة أخرى لم يبق بها طويلاً . ففي سن الثامنة و الستين شرع هذا الرجل الأسطورة في غزو الصين غزواً شاملاً ، لكنه حينئذ كان قد بلغ خاتمة مطافه العنيف العارم ، إذ وافاه أجله السريع بعد خروجه للغزو ، و دُفن في سمرقند .
شخصية تيمورلنك
كان تيمورلنك واحداً من أعظم الغزاة في العالم ، فقد جعلت البلاد الشاسعة الخاضعة لسلطانه فتوحات يوليوس قيصر و نابليون تبدو ضئيلة إذا ما قورنت بها فماذا كان السبب في نجاحه الخارق ؟ و كيف حققه ؟
ربما كان ذلك يرجع في الدرجة الأولى إلى طاقته الفائقة ، و قدراته على الجلد و الاحتمال . كان يبدو أنه لا شئ يمكن أن يقف في طريقه . كان يقظاً نشيطاً دائماً ، و على بعد خطوة من عدوه . و كان يؤمن إيماناً راسخاً بضرورة سرعة الحركة في الحرب ، و قد قال ذات مرة إنه من الأفضل أن يكون الإنسان في المكان المناسب بصحبة عشرة رجال ، على أن يغيب عنه و معه 10,000 .
و في زمان السلم ، ظهر تيمورلنك بمظهر الحاكم العادل الحكيم ، فضلاً عن أنه كان الراعي العظيم و النصير للفنون ، و كان لاعب شطرنج بالغ المهارة .
و لم يكن تيمورلنك بالرجل المتدين على وجه الخصوص ، بالرغم من أن اهتمامه كان بالغاً بالدين الإسلامي . وكانت عقيدته تتلخص في الشعار الذي اتخذه لنفسه ( راستي روستي) والذي يعني بمنتهى البساطة ( القوة هي الحق ) .
ماذا عن سمرقند
كانت سمرقند واحدة من أجمل مدن آسيا و أكثرها أهمية . كانت تقع على نهر اسمه نهر الخزافين ( نهر پوترز ) . نصبت على ضفافه العديد من الطواحين المائية ، و انبثقت منه العديد من القنوات لتروي البساتين .
و كانت سمرقند أيضاً مركزاً عظيماً لتجارة القوافل ، فهي تُنتج أجود أنواع الورق في العالم ، أما قماشها القرمزي فكان شهيراً في أوروبا .
و قبل عهد تيمورلنك كانت مبانيها أساساً من الطمى و الطوب الأحمر ، و لكنها تحولت بعد ذلك ، فجُلبت إليها كميات هائلة من الغنائم ، و ارتفعت المساجد و النصب التذكارية تشق عنان السماء .