ولد يوليوس قيصر في روما قبل نحو مائة عام من مولد المسيح . و كان والده يُدعى مثله يوليوس قيصر ، و أمه تُدعى أوريليا وكانا من أسرة نبيلة عريقة ، وكانا يرجعان بنسبهما إلى أينياس محارب طروادة المشهور الذي يعتقد أنه مؤسس مدينة روما .
و لا يُعرف شيء عن طفولة قيصر ، و لكنه كشاب كان مشهوراً بالذكاء و الميل إلى الزهو و كان يُبالغ في العناية بمظهره ، وعُرف عنه حب النظافة .
و في ذلك العهد كانت الحرب الأهلية مضطرمة في روما بين الأرستقراطيين ( أو أشراف روما ) و بين عامة الشعب . وكان الأرستقراطيون يتزعمهم سولا ، و عامة الشعب يتزعمهم ماريوس الذي كان خال قيصر بطريق الزواج . و لهذا السبب و بسبب مناصرة قيصر لماريوس . فقد أُستهدف قيصر لبعض الخطر بعد أن غدا ( سولا ) هو المنتصر آخر الأمر .
و قد رأى قيصر أنه من الحكمة أن ينسحب بعض الوقت ويذهب إلى جزيرة رودس ، حيث أخذ يتلقى دروساً في فن الخطابة .
لكن النفي الذي فرضه قيصر على نفسه لم يدم طويلاً ، فسرعان ما عاد إلى روما حيث جعل لنفسه اسماً كمدافع عن الحقوق في المحاكم . مما دفع أعداءه أن بدأوا يفطنون إلى ما في شخصيته من مغناطيسية وقوة غريبتين .
وغدا الفقراء يجلونه إلى حد العبادة ، ويرون فيه بطلهم ونصيرهم . وقد أصبح في نفس الوقت على صداقة مع اثنين من أهم الرجال في روما : هما كراسوس الوافر الثراء ، وپومپی الجندي العظيم .
و بفضل مساعدة هذين الصديقين أُنتخب قيصر لعدد من المناصب العامة تلاها منصب الحبر الأعظم ، وقد كان هذا التعيين الأخير مثاراً للدهشة ، إذ كثيراً ما صرح قيصر بأن العديد من الطقوس الدينية الرومانية هراء . وفى عام 61 قبل الميلاد ، أصبح قيصر حاكماً لأسبانيا ، وتهيأت له أول تجربة لقيادة الجنود في المعارك .
الحكومة الثلاثية الأولى
لم يبق قيصر في أسبانيا سوى عام واحد و حينما عاد إلى روما وجد الحكومة في حالة إنهيار ، و هكذا إنضم إلى كراسوس و بومبي لتشكيل الحكومة الثلاثية الأولى ( أن يتولى الحكم ثلاثة رجال ) .
و في عام 59 قبل الميلاد أُنتخب قيصر لأعلى منصب و هو منصب القنصل , حيث كان يُعين في كل سنة قنصلان لمدة عام واحد . وكان زميل قيصر ( القنصل الثاني ) رجلاً أبلة يمضي معظم وقته باحثاً عن الطوالع في السماء ، و في ختام عام قيصر كقنصل ، عُين حاكماً على شمالي إيطاليا و جنوبي فرنسا ( بلاد الغال) .
قيصر في بلاد الغال
وطأت قدما قيصر بلاد الغال ، و ما كان ليدور في ذهن أحد أن هذا السياسي المتوسط العمر سوف يكون واحداً من أعاظم الجنود المحاربين في العصور كافة .
حقق قيصر في غضون الأعوام الثمانية التالية في بلاد الغال نجاحاً باهراً إلى حد لا يُصدق ، فقد هزم قبائل السلت المستقرة في بلاد الغال ، وأدمج البلاد في نطاق الدولة الرومانية ، والتفت إلى القبائل المغيرة الوافدة من ألمانيا فردها على أعقابها ، وعندما تمادت في العودة ، ما لبث قيصر أن عبر نهر الراين ولقن القبائل درساً قاسياً .
و في أعقاب هذا كانت إحدى أهم المغامرات إثارة هي غزو بريطانيا . إن هذه الغزوة لم تكن ناجحة بصفة خاصة ، ولكن قصة زيارته لهذه الجزيرة الغامضة لابد أنها بدت مثيرة كل الإثارة في روما .
و كانت إحدى الخصائص الرئيسية في جيش قيصر هي قدرته على أداء كل عمل يُوكل إليه :
- فقد أنشأ جسراً على نهر الراين في غضون عشرة أيام .
- وعندما حتمت الضرورة وجود أسطول بحري ، ابتنى أسطولاً وأحرز النصر في معركة بحرية .
- و كان في استطاعة هذا الجيش أن ينال النصر الكاسح في المعارك التي يخوضها .
و لم يكن قيصر ليعتمد في فتحه لبلاد الغال على القوة العسكرية وحدها . فقد استعان كذلك ببراعته كرجل سیاسي أن يحرض بعض القبائل الغالية على الإنضمام إليه ضد بعضها بعضاً ، وهكذا لم يضطر قط إلى محاربة كافة أهل الغال في وقت واحد .
الحرب الأهلية
قرر قيصر أن يعود إلى روما بالرغم من أن انتصاراته التي قد أثارت الفرح و الدهشة ، إلا أن مجلس الشيوخ أفزعته قوة قيصر .
وما لبث مجلس الشيوخ أن ضم قواه إلى جانب حليف قيصر القديم وهو بومبي لإنتزاع السلطة من يد قيصر . و في هذا عملوا على فرض قيود صارمة عليه ، و أمروه بالعودة إلى روما وحده بغير سلاح .
حاول قيصر أن يفاوضهم ، ولكن اتضح له أنهم يريدون تنحيته و إزاحته من الطريق . ومع ذلك فقد ظل قيصر متردداً ، ثم ما لبث بإتخاذ القرار ، فسار على رأس الفيلق الثالث و العشرين و عبر نهر روبيكون الذي كان هو الحد الفاصل بين بلاد الغال و إيطاليا الآن .
و بدأت الحرب الأهلية . وفي إيطاليا ذاتها ما لبث جنوده القدماء يحتشدون من خلفه . ولما رأى بومبي أن لا قبل له بقهر قيصر في إيطاليا ، سارع بالفرار إلى بلاد الإغريق . فطارده قيصر إلى بلاد الإغريق ، واضطره في النهاية إلى الدخول في معركة في فرسالوس و هزمه .
الأعــــوام الأخـيـرة
هرب بومبي إلى مصر ، ولكن بطلميوس ملك مصر عمل على اغتياله لكسب ود قيصر ، و عندما وصل قيصر إلى مصر أهدوه رأس بومبي محنطاً .
لكن ما لبث قيصر أن شغل نفسه بشؤون مصر ، فأنزل بطلميوس عن العرش و نُصبت أخته كلیوبترا ملكة .
نشأت علاقة عاطفية بين القائد الفذ و الملكة الفتية ، أدت إلى أن يُطيل قيصر بقاءه في مصر .
وبين ذلك كله ، وجد قيصر نفسه في خطر داهم ، و قضى شتاءً كاملاً محاصراً في القصر الملكي ، و لم يسعفه سوى مجيء جيش لنجدته في اللحظات الأخيرة . و هنا كان لا بد من عودته إلى روما . و في طريقه إلى روما قام بحملة خاطفة في آسيا الصغرى .
عاد قيصر إلى روما و غدا سيد العالم دون منازع . و عُين حاكماً بل دكتاتوراً مدى الحياة ، ، بل إنهم عدوه بين الآلهة .
كانت في انتظاره عدة مشاكل كبيرة لا بد أن يعالجها ، فانبرى لها بكل ما أُوتي من قوة و طاقة .
في ذلك الوقت كان يوليوس قيصر لا يزال يتمتع بصحة طيبة ، وإن كانت نوبات من الصرع أُصيب بها قد أخذت تعاوده بكثرة .
وضع قيصر في روما عدة خطط منها:
- خططاً لإعادة تنظيم حكومة روما
- خططا لإعادة تنظيم كافة الولايات التابعة لروما
- كما عمل على إصلاح التقويم .
نهاية قيصر
بالرغم من أن كثيرين من أعداء قيصر قُتلوا في الحرب الأهلية ، فقد بقي في روما من يكرهونه ويرون أنه سيعمل على إلغاء نظام الحكم الجمهوري و المناداة بنفسه ملكاً .
و لقد استبد الإنزعاج بالعديدين من هؤلاء ، إلى حد أنهم تآمروا فيما بينهم على قتله . و في الخامس عشر من شهر مارس عام 44 قبل الميلاد ، ذهب قيصر إلى مجلس الشيوخ ، وبعد إشارة متفق عليها أحاط به المتأمرون ، واغمدوا خناجرهم في جسده .
شخصية قيصر و صفاته
حدث ذات مرة بينما كانت الجيوش الرومانية تعبر جبال الألب ، أن مرت في طريقها بقرية جبلية صغيرة . كانت القرية بدائية إلى أبعد حد ، و بيوتها مبنية بالطين و أعواد القش ، و سكانها معدمين و على الفطرة .
و لا بد أن القرية بأهليها بدت في أعين من هم في مثل تحضر روما ، صورة للبؤس و التعاسة .
لقد توقف الفيلق الروماني بعض الوقت ، و تقدم أحد الضباط من قائد الجيش وهو يوليوس قيصر ، وقال له :
( أنظر يا قيصر إلى أي مدى بلغت هذه القرية من البؤس . ومع ذلك هناك ولا شك رجل ما يفتخر بأنه زعيمها ) .
فسدد قيصر نظرة إلى عيني الضابط ورد عليه قائلا :
( إنني أفضل أن أكون الزعيم لهؤلاء الناس الجبليين، على أن أكون الرجل الثاني في روما ) .
ولاشك أن هذه الملاحظة تنم عن نظرة نفاذة إلى شخصية قيصر وصفاته .
المراجع :