طه حسين عميد الأدب العربي ، وأقوى شخصية أدبية في العصر الحديث ، فقد سعى لتحرير العقل العربي و الأدب من الأغلال و القيود التي كانت تُقيده . وهو أديب ذو بعد تاريخي وشمولية موسوعية ، وهو كاتب مقالة ، وناقد ، ومؤرخ ، وباحث ، ومترجم ، وكاتب سيرة من الطراز الأول ، وله باع في الرواية والقصة القصيرة .
سيرة طه حسين
ولد طه حسين في (عزبة الكيلو) على مقربة من بلدة (مغاغة) في صعيد مصر، في الرابع عشر من نوفمبر عام 1889م ، ونشأ في أسرة متوسطة الحال، يغلب عليهـا التدين، فكان والده يعمل موظفاً في شركة السكر، وكان له أبناء كثيرون من زواجين، مع أن طه حسين لا يأتي على ذكر لامرأة أبيه البثة، ولكنه يقر أنه كان السابع بين ثلاثة عشر ولداً وبنتاً، والخامس بين إخوته الأشقاء .
كان الحدث الأبرز في طفولته إصابته بالعمى في سن الرابعة تقريباً ، إثر تعرضه للرمد وإهماله أياماً ، ثم دُعي الحلاق فعالجه علاجاً ذهب بعينيه .
ولم يكد يبلغ التاسعة من عمره حتى حفظ القرآن الكريم ، ثم التحق بالكتاب، ليجلس بين يدي (سيدنا) الشيخ نخلة، فكـان يختم القرآن، ثم يُمحى من صدره آية آية وسورة سورة، ذلك أن أيامه في الكتاب لم تخلُ من المعاناة حيناً ومن العبث واللهو حيناً آخر، على أن هذه المرحلة انتهت عام 1902م . حين رحل طه حسين إلى الأزهر، حيث أمضى فيـه سـت سـنوات متواصـلات (1902-1908).
فكان يسمع كلاماً معاداً وأحاديث لا تمس قلبه ولا ذوقه ولا تُغذي عقله، ولا تضيف إلى علمه علماً جديداً ذلك أنه أدرك بعقله المتوقد قصوراً في تعليم الأزهر، وأصيب بالإحباط من مواقف شيوخ الأزهر وطلبته .
إلا أنه حضر دروس تفسير القرآن على يد الإمام محمد عبده قُبيل وفاته عام 1905م ، وكذلك حضر دروس الأدب على يد الشيخ سيد المرصفي .
وفي حلقته التقى بزميله أحمد حسن الزيات، والشيخ محمـود الزناتي وشكل معهمـا ثالوثـا نشطاً، ويوجه ملاحظات قاسية للأزهر وشيوخه، فكان أن مُنع هو وزميلاه من حضور الدروس، إلى أن توسط لطفي السيد لدى شيخ الأزهر فأُعيد ثلاثتهم إلى الأزهر.
وعندما أُنشئت الجامعة المصرية الأهلية في سنة 1908م ، وعرف أنها مدرسة لا كالمدارس، وأحس أن ميزتها الكبرى عنده أن الدروس التي ستُلقى فيهـا لـن تشبه دروس الأزهريين من قريب أو بعيد عزم طه حسين على حضور بعض دروسها بوصفه طالباً غير ملتزم ، وما لبث أن التحق بها عام 1910م وأصبح طالباً بقسم الآداب.
وبعد أن أتم تحصيله في الجامعة المصرية انتقل إلى مونبليه، ثم إلى باريس حيث أعـد رسالة في فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، وناقشها في الثـانـي عـشـر مـن يناير 1918م ، ومُنح شهادة الدكتوراة بمرتبة الشرف الممتازة .
وبعد عودته لمصر عُين أستاذاً للتاريخ القديم (اليوناني والروماني) وصار بعد ذلك مستشاراً فنياً لوزارة المعارف، ثم وزيراً لها 1950م، ولم يلبث أن قدم استقالته إثر حريق القاهرة 1952م .
وكان من أهم إنجازات طه حسين :-
- قرار مجانية التعليم الثانوي والفني ، فالتعليم في رأيه ضـروري للناس ضرورة الهواء والماء .
- وحاول أن يجعل من التعليم العالي مجاناً للطلبة .
- وكان له دور كبير في إنشاء جامعة الإسكندرية التي كان أول مدير لها .
- وكذلك افتتح جامعة عين شمس.
- تفرغ طه حسين لأدبه منذ 26 يناير 1952، ولأنشطته في المجامع العلمية التي كان عضواً فيها ورئيساً لها، ولا سيما مجمع اللغة العربية في القاهرة ، كمـا كـان عـضـواً بمجامع علمية وعربية وأجنبية ، ورئيساً للجنة الثقافية بجامعة الدول العربية .
- وحصل على الدكتوراة الفخرية من جامعات مدريد وكمبردج وأثينا وروما وليون ومونبليه والجزائر ، كما نال أرفع الأوسمة من جهات عدة .
وتقديراً للجهود العلمية والأولية التي قام بها أُطلق عليه عميد الأدب العربي .
تُوفي طه حسين صباح يوم الأحد في الثامن والعشرين من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1973م ، عن عمر يناهز الرابعة والثمانين .
روافد طه حسين الثقافية
ثلاثة روافد صقلت شخصية طه حسين الثقافية مزجت بين القـديـم و الجديد هي:
- العنصر العربي
- العنصر المصري الخالص
- العنصر الأجنبي
أما الرافد الأول في ثقافة طه حسين فهو العنصر العربي، الذي يُعد الأساس الأول في حيـاة مـصـر الثقافية، ولا سبيل لمصر أن تنشق عنه أو تتخلص منه .
و من ثم نرى هذا الرافد يرتبط بثقافة طه حسين اللغوية والدينية سواء في بيئته الأولى في القرية أو في الأزهر الشريف، فكـان للقرآن الكريم أثر في أسلوبه تجلى في تناسق الفاظه وعباراته، وكان لدراسته في الأزهر أثر في معرفته أسرار العربية وخصائصها على الرغم من سخطه على الأزهر وشيوخه .
و إذ درس في الجامعة المصرية فقد عزز ملكته اللغوية بمناهج المستشرقين في البحث ، وكانت أطروحته عن أبي العلاء المعري ثمرة الجمع بين ثقافة طه حسين العربية وبين هذه المناهج.
و رافد آخر أفاد منه هو العنصر المصري الخالص ففي أثناء دراسته في الجامعة المصرية تلقى دروساً في ( الحضارة المصرية القديمة ) جعلته يعكف على دراسة الأدب الشعبي والمأثورات الشعبية التي ارتبطت بتاريخ مصر القديمة .
و هو ما أكده في ( مستقبل الثقافة في مصر ) إذ أصر على ( أن مصر الجديدة لن تبتكر ابتكاراً ولن تخترع اختراعاً ، ولـن تقـوم إلا على مصر القديمة الخالدة ، وبأن مستقبل الثقافة في مصر لن يكون إلا امتداداً صالحاً راقياً ممتازاً لحاضرها المتواضع المتهالك الضعيف ) واضاف دارسوه الى هذا العنصر عناصر شرق أوسطية ويونانية على الوجه الأخص .
وثالث هذه الروافد هو العنصر الأجنبي، فقد وجهـه لطفي السيد إلى تعلـم اللغـة الفرنسية والاطلاع على آراء ڨوليتر و روسو و منتسكيو، ولم يلبث أن ارتبط بالثقافة الفرنسية إثر توجهـه إلى السوريين حيث تعرف إلى كبار المفكرين من أمثال ( اندريه جيد ) و( ماسينيون ) و( سارتر ) و( بول فاليري ) وأفاد أيضاً من الصحف الفرنسية الـتـي كـان يكتـب فيها خيرة رجال الأدب الفرنسي .
و كان لهذه الثقافة الفرنسية نصيب إثر عودة طه حسين إلى مصر ، فحين عُين عميداً لكلية الآداب أنشأ قسماً للدراسات الفرنسية ، كما حث تلاميذه على مواصلة دروسهم العليا في فرنسا , فكان يسعده أن يراهم يحصلون على درجات علمية أعلى مما كان معتـاداً يـوم كان طالباً في فرنسا .
آثار طه حسين
ترك طه حسين مؤلفات كثيرة، منها:
- ( حديث الأربعاء ) ثلاثة أجزاء (1925-1945)
- ( في الشعر الجاهلي ) (1926)
- ( الأيام ) جـزءان (1929-1939)
- ( ذكـرى أبـي العـلاء ) (1932)
- ( على هامش السيرة ) (1933)
- ( حافظ وشوقي ) (1933)
- ( أديب ) (1935)
- ( دعاء الكروان ) (1942)
- ( الحب الضائع ) (1942)
- ( الشيخان ) (1943)
- ( شجرة البؤس ) (1944)
- ( جنة الشوك ) (1945)
- ( المعذبون في الأرض ) (1952)
- وغيرها.
أسلوب طه حسين
يجمع أسلوب طه حسين بين الذاتية والموضوعية، ففي أدبه ذاتية تظهر فيها أحاسيسه، وصياغته الجميلة وتصويره البديع. أما موضوعيته فتتمثل في ترتيب أفكاره وتسلسلها المنطقي ، فيكسبنا بهذا الأسلوب لذة العقل والشعور والذوق معاً .
وهو متأثر بالجاحظ في تلوين عبارته وتنويـع صـوره وأفكاره ، بما ينفـي المـلـل عـن القارئ ، وهو مثله لا يهجم عليك برأيه فيلقيه إلقاء الأمر ، وإنما يلقاك صديقاً لطيفاً يأخذ بعقلك مستقصياً محللاً ناقداً .
يشركك معه في البحث حتى يسلمك الرأي ناضجاً ويلزمك به في حيطة واحتياط ، ثم يتركك ويقف غير بعيد متحدياً لك أو ضاحكاً منك . متبعاً أسلوب الجاحظ في عبارات رقيقة عذبة أو قوية جزلة .
فإذا قص أو وصف أخـذ عليك أقطار الحوادث والأشياء ودخل إلى أعماق الشعور وجوانب النفوس مدققاً متقصياً ، يخشى أن يفوته شيء ، دقيق الشعور، صافي النفوس، نبيل الجدل .
في أسلوب طه حسين ترادف ومزاوجة ، فهو يتبع اللفظة أو الفقرة بما يناسبها في المعنى ، من مثل قوله : -
( إيه أيتها الأم الكريمة الرحيمة، لقد منحتِ ابنك صبياً وشباباً كـل مـا كنت تستطيعين أن تمنحيه من الحب و الود ، و من العطف و الحنان، وها هو ذا الآن قد بلغ ما قدر الله أن يبلغ من ارتفاع المكانة و علو المنزلة و جلال الخطر....) على أنه لا يأتي بهـذا الترادف لمجرد التكرار ، فلكل لفظ إيجازه الخاص ، فالمظهر العملي للحب النفسي هو الود ، كما أن العطف مظهراً للحنان .
و هو يحسن التقسيم في عبارته , مُغرم بالمحسنات البديعية و لا سيما الجناس .
و لا شك أن أظهر خصائصه استخدام أدوات التوكيد وكذلك التكرار ، ليؤكد معانيه وينفـي عـن ذهـن السامع كل شك أو إنكار . وقد رد المازني ذلك إلى سيبين اثنين: -
- أن ما أُصيب بـه في حياته من فقد بصر ، كان له تأثير في الأسلوب الذي يتناول به موضوعاته ، وفي طريقة العبارة عن معانيه وأغراضه .
- طال عهد طه حسين بالتدريس ، والتعليم مـهنـة بها التبسط في الإيضاح ، و الإكثار في الشرح والتكرير أيضاً و تدفع المرء من الأعماق إلى السطوح ....