أكمل تعليمه في الأزهر الشريف، وخالط علماءه، وبخاصة الشيخ محمد عبده.
كانت ثقافة المنفلوطي عربية أصيلة، ولم يتقن غير العربية، وإطلاعه على الآداب الغربية كان عبر ترجمات يقوم بها بعض أصدقائه، ثم يُعيد صياغتها بأسلوبه الخاص، غير أنه تصرف عند تمصيره ( جعلها مصرية ) للقصص المترجمة تصرفاً جعلها تخسر عند ترجمتهـا غـيـر قـلـيـل مـن فـنهـا وسحرها.
واستطاع بنزعته الرومانسية أن يؤثر في الجيل الذي جاء من بعده أيما تـأثير، ولا سيما المتأدبون وطلبة المدارس، لما في آثاره من ثروة لغوية، وملكة إنشائية، إلا أن هذا الجانب اللغوي تعرض للنقد، فقد رأى أحمد حسن الزيات، وهو من تلاميذه وأحب قرائه، ان ضعف الثقافة عند المنفلوطي، وجهله بأدب اللغة التي يتخذها أداة لتعبيره الفني، هما اللذان منعا تحقيق صفة الخلود في قصصه .
وكانت تستهوي المنفلوطي الموضوعات الإجتماعية، ومـا يـتـصـل منهـا بالفضائل الإنسانية والعطف على الفقراء والبائسين من العشاق، والمحزونين ، فهي قصص أولها عذاب وشقاء، وآخرها يأس لموت أو انتحـار .
ولكنه في المقابـل كـان يدعو إلى الإصلاح والتنوير، سواء بدعوته إلى تربية النشء تربية إسلامية، لا تربية مادية ونبه الى مفاسد المدينة الغربية، ونظر إليها نظرة ريبة وتشاؤم .
تولى المنفلوطي في أواخر حياته وظيفة كتابية في مجلس الشورى , ظل فيها إلى أن وافته المنية عام 1924م .
أهم أعمال المنفلوطي
للمنفلوطي مجموعة من الأعمال تتمثل في ما يأتي: ..
- مجموعة مقالات اجتماعية نشرها في (المؤيد) في ثلاثة أجزاء بعنوان (النظرات) عالج بها بعض عيوب السلوك والأخلاق . واحتوت على قطع أدبيـة قـام المنفلوطي بتمصيرها .
- مجموعة قصص مقتبسة عـن الفرنسية أو موضـوعة ، بعنوان (العبرات) تدور حول الفقراء والبائسين من الناس، تغلب عليها نزعـة رومانسية هي: اليتيم، والحجاب، والهاوية، والعقاب .
- قصص مترجمة من الفرنسية، صاغها بتصرف بأسلوبه الخاص، هي:
- (في سبيل التاج)، عن مسرحية فرانسوا كوبيه .
- (الشاعر)، عن رواية لرومان رولان بعنوان (سيرانو دي برجراك) .
- (تحت ظلال الزيزفون) أو (ماجدولين) عن رواية لألفونس كار الفرنسي.
- (الفضيلة) عن رواية فرنسية لبرناردان دي سان بير بعنوان (بول وفرجيني) .
أسلوب المنفلوطي في الكتابة
هو كاتب النفس الإنسانية كما سماه بعض النقاد بما عُرف عنه من إحساس مرهف بقضايا الضعفاء والمظلومين، إلا أنه أسرف في البكاء والتباكي في أدبه بعامة وقصصه الحزينة بخاصة، وقد تعرض لحملة نقدية قاسية.
فوصف المازني أسلوبه بالسطحية والسذاجة، والكذب والتزوير في عاطفته، لم يعجب به إلا المراهقون من القراء.. وهذا تحامل يكشف عن إخفاق المازني في إدراك ما أنجزه ذلك الكاتب .
وأسلوبه لطيف مشرق، لا تعقيد فيه، بستهوي القارئ بما يتوافر فيه من الفاظ دقيقة وعبارات متوازنة، وعاطفة صادقة تبلغ حد الغلو، وهو يتمادى في روحه الخطابية بألفاظـه وعباراته المتكررة، وإسرافه في الخطاب أو النداء أو الأمر، أو في التعجب والإستفهام.
وصف طه حسين في مقالاته التي نشرها في صحيفة (الشعب) بعنوان ( نظرات في النظرات ) أسلوب المنفلوطي ب:-
بسخف الإستعارة و التشبيه, الأسلوب الساقط المبتذل, و اللحن الفظيع و الغلط الشنيع , و الخطأ المُخجل في الإستعمال .
وهذا نقد فيه قسوة على المنفلوطي، لا يحجب دوره في ميدان القصة القصيرة سواء في تمصيره لعدد من الأعمال القصصية عن الفرنسية أو التي كتبها وقدمها في (العبرات) .
ويكفي أنه نجح في تقديم فن القصة للجيل الناشىء ، وحمل إليهم لونـاً مـن الأدب الفرنسي الرومانسي في زمن سادت فيه الرومانسية، وكان هدفه النبيل هو الدعوة إلى الإصلاح، شأنه في ذلك شـان المصلحين الذين سبقوه، من أمثال قاسم أمين و حافظ إبراهيم .
وعلى الرغم مـن تقصيره في إبراز الجانب الفني للقصص التي مصرها، فإنه نجح في استقطاب القراء إليه بما في أدبه من متعة أدبية وأسلوب جذاب لا يخلو من بلاغة العرب وفصاحتهم .
والمنفلوطي صاحب رسالة أدبية، بتصديه لبعض المفاسد الوافدة مع حضارة الغرب، إذ نظر إليها بريبة وتشاؤم، إلا أنه دعا الى إصلاح عيوب الناس في عصره، بأسلوبه الجذاب.
وإذا نظرنا الى فنه القصصي نراه خالياً من المتعة والتحليل, ولئن المنفلوطي كان بارعاً في أسلوبه الخطابي الذي استمده من الكتاب العباسيين, فإنه لم يفلت من أساليبهم إذ احتفظ على حد تعبير محمد يوسف نجم ببعض لوازم الأسلوب العباسي كالإفراط في الترادف والتوازن، والإسهاب في عرض الأفكار وجلائها في أزياء مختلفة، والتورط في السجع و الإسراف فيه في غير مواضعه المستحبة، في أحيان كثيرة.
وقد برع في تخير الألفاظ ومراعاة المشاكلة في رصفها وتنسيقها لكي يسد نقصاً في ثقافته ويحجب شيئاً من خياله الضحل .
ومهما يكن من أمر، فالمنفلوطي كاتب مجدد، استطاع أن ينقل النثر العربي من جموده الى آفاق جديدة استهوت القراء في زمنه، لكن أثره لم يتجاوز ذلك الزمن، إذ مضى عهـد ذلك الأسلوب، وأصبح أسلوب الكتابة يتسم بقدر من التحليل، وغلبة العقل على العاطفة.