لم يشهد التاريخ أمرأة تستغل أنوثتها بمثل ما استغلتها الملكة كليوباترا السابعة و المشهورة باسم كليوباترا .
فعندما احتلت العرش بعد وفاة أبيها بطليموس الثاني عشر ، كانت مصر دولة ضعيفة وقد فقدت ممتلكاتها ، وبدلاً من أن تنتظر قادة روما حتى يغزوا مصر ، عملت هي على غزو قلوبهم ، واستطاعت بذا الطريق أن تمد نفوذها أبعد من مصر .
غير أن العلاقات بين كلیوپاترا ورجال القصر تأزمت . وأشاعوا أنها تسعى لقتل أخيها بطليموس الثالث عشر ( و الذي كان بعمر العشر سنوات و يصغرها بثمان سنوات ) حتى تنفرد بالعرش ، مخالفة بذلك وصية أبيها .
كما استطاع رجال القصر أن يثيروا على كليوباترا الجيش وشعب الإسكندرية ، حتى اضطرت إلى الفرار من المدينة ولجأت إلى حدود الدولة الشرقية ، حيث جمعت لنفسها جيشاً تسترد به عرشها . غير أن جيشاً سار متسلحاً باسم أخيها إلى بلوزيوم ليسد على كليوباترا طريق العودة .
قيصـر في الاسكندرية
وفي تلك الأثناء كانت تدور معركة فارسالوس على الشاطئ الآخر للبحر المتوسط ، انتصر فيها قيصر على بومبيوس POMPEIUS ، ثم اتجه إلى الإسكندرية فدخلها ووجدها خالية من الملك والملكة . وكان يعلم الخلاف بينهما ، فأعلن نفسه حكماً في الخلاف .
حضر الملك من بلوزيوم، وأما كليوباترا فيقال إنها دخلت الإسكندرية مختبئة داخل سجادة ، فلما بُسطت خرجت منها بدلالها وجمالها .
وكانت العلاقة بين قيصر Caesar وکلیوپاترا على أساس العلاقة بين رجل وامرأة ، لا بين دكتاتور روما وملكة مصر ، وبطبيعة الحال أقر قيصر الملكة على عرشها على أن يشاركها أخوها ، ولكن ساسة القصر حاولوا عدم تنفيد إرادة قيصر بالقوة، وأعلنوا الحرب عليه ، و لم تكن هذه الحرب سهلة ، غير أن قيصر استطاع أن يسيطر على منطقة القصر الملكي والميناء حتى يمكنه الاتصال بقواته خارج مصر .
وفي أثناء هذه الحرب احترق عدد من سفن قيصر ، ويُقال إن عدداً كبيراً من الكتب التهمته النار ، وحاول قيصر أن يسيطر على الجسر الموصل بين جزيرة فاروس والمدينة ولكنه فشل ، ثم وصلت إلى قيصر بعد ذلك قوات من جيشه عن طريق سوريا وحاصرت الإسكندرية واستولى عليها .
وحاول الملك البطلمي الصغير أن يهرب إلى الشرق ولكنه غرق أثناء عبوره للنيل . وعندما دخل قيصر الإسكندرية منتصراً سنة 47 ق . م . أعلن كليوباترا ملكة مصر .
ثم قضى قيصر الشتاء في مصر في نزهة نيلية مع كليوباترا إلى الصعيد ، ويبدو أنه كان لهـا من القدرة حيث تملأ على الرجل قلبه وعقله ، حتى إن قيصر آثر أن يؤجل مباشرة الموقف في روما . ومن المحتمل أنه تنازل لها في هذه المناسبة عن جزيرة قبرص .
وفی نفس العام ، وضعت كليوباترا طفلها من قيصر واسمته قيصرون . وعندما عاد قيصر إلى روما سنة 46 ق . م .. ذهبت إليه كليوباترا وأحاطها بكل رعاية وتكريم ، وأقام لها تمثالاً من الذهب في معبده الجديد للإلهة فينوس .
غير أن رجال السناتور في روما لم يصبروا على هذه الحال فقاموا بمؤامرة لاغتيال قيصر ، مما أدى إلى حرب أهلية من جديد . وأدركت كليوباترا أن روما لم تعد مستقراً لها فغادرتها إلى مصر , وأُعلن ابنها قيصرون شريكاً لها في العرش .
أنطونيو وكليوباترا
بعد انتهاء الحرب الأهلية التي أعقبت مصرع قيصر بانتصار أوكتافيانوس Anctavianus و ماركوس أنطونيوس Marcus Antonius ، اقتسم القائدان أملاك الجمهورية الرومانية فيما بينهما .
وكانت مصر في ذلك الوقت الدولة الوحيدة التي لم تزل مستقلة عن روما في الشرق ، فبعث أنطونيوس يدعو كلیوپاترا لمقابلته في أفسوس .
و وقع أنطونيوس في غرامها. وفي شتاء سنة 41 ق.م حضر إلى مصر ، ثم توطدت علاقته بكليوباترا ، وأنجب منها أطفالا ثلاثة ، وأعلن تقسيم الولايات بين أبنائها جميعاً .
فما كان من أوكتافيانوس شقيق زوجة أنطونيوس الأولى، إلا أن عبأ الرأى العام لشعب روما ضد أنطونيوس ، وأعلن عليه الحرب ، ودارت المعركة الفاصلة بينهما عنـد أكتيوم ( في غرب اليونان سنة 31 ق . م . ) .
نهاية البطالمـة
ونظراً لتفوق أوكتافيانوس ، انسحبت كليوباترا إلى الإسكندرية ، وتلاها أنطونيوس ، ثم يفاجئهما أوكتافيانوس من سوريا ويستولي على مصر ، ويتجه إلى الإسكندرية فيدخلها في أغسطس سنة 30 ق . م .
فلا يجد أنطونيوس وسيلة سوى الإنتحار ، وقد وجدت كليوباترا ميتة في قصرها ، سواء منتحرة أو بفعل أوكتافيانوس الذي قتل أيضاً إبن كليوباترا ، وأعلن ضم مصر إلى روما .
وهكذا انتهت حياة هذه المرأة الغريبة التي قُدر لها أن تكون خاتمة عصر بأسره في التاريخ المصرى ، وهو عصر الأسرة البطلمية ولكن كلیوپاترا ظلت أسطورة ترددها الألسن في كل مكان ، ويستلهمها الكتاب والشعراء على مر العصور .