ولد أفلاطون PLATO في عام 427ق.م و ينحدر من أسرة أثينية عريقة برز الكثير من أفرادها في المجتمع, و كان لديه هو نفسه من الأسباب ما يجعله يتطلع إلى حياة سياسية مرموقة, و لكنه في بداية حياته اتصل بسقراط و أصبح من تابعيه المخلصين.
عندما أقدمت حكومة أثينا الديموقراطية بعد عودتها للحكم في عام 399ق.م على إعدام سقراط , بلغ الإشمئزاز بأفلاطون حداً جعله يقرر أن يهب نفسه لدراسة الفلسفة, و ألا يشارك في الحياة العامة.
و كان يعتقد ( كما ذكر في أحد خطاباته ) أنه لا أمل في تحسين حالة المجتمع البشري ما لم يحصل الفلاسفة على السلطة السياسية, أو أن يُصبح الرجال الذين بيدهم السلطة السياسية فلاسفة.
محاورات أفلاطون
معظم كتابات أفلاطون كانت في شكل محاورات, كثيراً ما كان هو نفسه أحد أطرافها و المتكلم الرئيسي فيها ( و هي محادثات تناقش موضوعات فلسفية ).
و قد كانت أول المحاورات التي كتبها تركز على الدفاع عن ذكرى سقراط.
و لكن مع مرور الوقت طور أفلاطون فلسفته و وصل بها إلى أبعد مما وصل سقراط بكثير, و المعتقد أن معظم الآراء التي وردت على لسان سقراط في محاورات أفلاطون العظيمة مثل الجمهورية و فيدو إنما هي آراء أفلاطون نفسه و ليست آراء سقراط.
أكاديمية أفلاطون
و بالرغم من أننا نعتمد على محاورات أفلاطون لمعرفة أفكاره, إلا أن أفلاطون نفسه كان يعتقد أن نشاطه كمدرس يُعتبر أكثر أهمية و عمقاً في تأثيره عن أي شيء كتبه.
و في عام 386ق.م و بعد أن أمضى فترة في الترحال, لا بد أن يكون قد زار خلالها جزيرة صقلية, أنشأ مدرسته الفلسفية الشهيرة في أثينا و المعروفة باسم الأكاديمية, و التي ظلت قائمة بضع مئات من السنين, بالرغم من أنها لم تكن دائماً تتقيد بتعاليم مؤسسها.
نظرية المثل
كان هدف الأكاديمية أثناء حياة أفلاطون تخريج ساسة من الفلاسفة, و ذلك باكتشاف المعرفة التي قال عنها سقراط إنها الفضيلة, غير أن أفلاطون في بحثه عن هذه المعرفة كوَن نظرية رحبة عن طبيعة الحقيقة, التي هي لأول وهلة غير متصلة بالسياسة, و تُسمى هذه النظرية بنظرية الأفكار أو المثل.
و قد توصل أفلاطون إلى الاعتقاد بأن الشيء الذي لا يتغير بأي شكل و له وجود دائم هو فقط الذي يُمكن أن يُقال عنه إنه حقيقي و معروف. و مثل هذه الأشياء, كما قال, لا وجود لها في عالمنا حيث تتغير الأشياء, و لا تبقى إلا لفترة زمنية محدودة.
و لكن فيما يجاوز الوقت و المكان, كما يقول أفلاطون, يوجد عالم من المثل الكاملة, أما الأشياء التي في عالمنا فهي لا تعدو أن تكون صوراً غير كاملة و نصف حقيقية لتلك المثل.
فالروح توجد في عالم المثل قبل الولادة, و تصبح مهمة الفيلسوف أن يستعيد ما فقده من معرفة, ثم يطبقها في توجيه الشؤون الإنسانية. و لتحقيق ذلك, يقتضي الأمر تدريباً طويلاً و شاقاً تلعب فيه الرياضيات دوراً هاماً.
و هناك رواية تقول بأن أفلاطون قد كتب على أبواب الأكاديمية الكلمات الآتية : لا يُسمح لأحد بالدخول مالم يكن مُلماً بالهندسة, و كثيرون ممن خلفوه في الأكاديمية كانوا في بدء حياتهم من الرياضيين.
إن نظرية المثل تُعتبر واحدة من أهم ما عرفناه من النظريات الفلسفية, و كان تأثيرها عظيماً على تاريخ الفلسفة بعد ذلك.
و تحتوي محاورة أفلاطون " الجمهورية " على شرح تفصيلي لهذه النظرية, و على ما يختص بتدريب الفيلسوف, مع وصف للدولة المثالية التي سيحكم فيها, و هذه المحاورة كتبها أفلاطون في الفترة الوسطى من حياته, و تُعتبر واحدة من أعظم ما كُتب في العالم, و قد تُرجمت إلى لغات كثيرة.
نهاية أفلاطون
لم يكن أفلاطون فيلسوفاً فحسب, و لكنه كان أديباً فناناً عظيماً ذا أسلوب محكم و نزعة قوية للشعر و الفكاهة, و هي صفات أضفت كثيراً من الجاذبية و التشويق على كثير من محاوراته, و إن كانت مؤلفاته الأخيرة التي تعتبر بالغة الصعوبة و الجمود, قد ركزت على هدف واحد ثابت هو البحث عن الحقيقة.
و قد سنحت لأفلاطون مرة خلال حياته, و كان ذلك عام 367ق.م فرصة تطبيق أفكاره. فقد دعاه ديون DION رئيس وزراء سيراكوزا ( و الذي نشأت صداقة أفلاطون له أثناء زيارته الأولى لصقلية ) للعودة إلى صقلية لتدريب ابن أخته المدعو ديونيسيوس الثاني ليكون فيلسوفاً حاكماً.
لكن ديونيسيوس الذي كان يبلغ الثامنة و العشرين من عمره, كان قد بلغ السن التي يصعب معها هضم الدراسات الجامدة التي كانت تكون جزءاً حتمياً من برنامج أفلاطون, و لذا فقد باءت المحاولة بالفشل.
و قفل أفلاطون عائداً إلى أثينا, و في أواخر أيامه ألف بحثاً يُعرف باسم ( القوانين LAWS ) و هو يحتوي على تمهيد أقرب ما يكون إلى الحكومة المثالية التي كان أفلاطون يظن أنه لن تتاح له أية فرصة لتطبيقها عملياً.
و مات أفلاطون في عام 347ق.م .