إن معظم اللحوم التي نأكلها مستمدة أصلاً من الحيوانات التي تُربى لكي تمدنا بالطعام , أما بالنسبة إلى السمك فالحال نقيض ذلك, فالجزء الأكبر من السمك المستخدم كطعام, إن هو إلا محصول حيوانات غير مستأنسة يُمسك بها في أوساطها الطبيعية, و بخاصة في البحر عن طريق الشباك و أساطيل الصيد.
و مع ذلك, فإنه يُمكن إلى حد ما حفظ السمك و تربيته كحيوانات مستأنسة, و تُعرف هذه الطريقة بزراعة السمك PISCICULTURE ( من الكلمة اللاتينية PISCIS = السمك ) .
و نظراً لاستمرار الحاجة لإنتاج الطعام, فإن أهمية زراعة السمك تزداد, و هو موضوع بحث علمي على جانب كبير من الأهمية.
لماذا نحتاج إلى زراعة السمك
تُطبق معظم عمليات زراعة السمك على الأنواع التي تعيش في الماء العذب.
أما السمك الذي يعيش في البحر, فنظراً لوجوده بأعداد كبيرة, فإن العمليات الصناعية لزيادته لا تؤثر فيه.
و في الأماكن التي تتناقص منها أسماك البحر لكثرة صيده, فإن العلاج الوحيد في الوقت الحالي لا يتأتى إلا بإبرام معاهدات دولية تترك فيها أمكنة صيد السمك لوقت ما ريثما يستعيد السمك تكوينه.
و يتناقص عدد السمك بطريقة خطيرة في الأنهار و البحيرات التي يكثر فيها صيده, و خاصة بالطرق غير المشروعة.
فقد يلجأ مختلسو صيد السمك , لكي يحصلوا على عائد سريع, إلى :
- تسميم المياه بمواد خانقة للسمك ( لكن دون أن تجعلها غير صالحة للأكل ).
- أو قد يستخدمون الديناميت أو مفرقعات أخرى تنفجر تحت الماء.
و كل من هاتين الطريقتين تقتل السمك الصغير منه و الكبير, و كذلك الكائنات الحية الصغيرة التي يتغذى عليها.
و حتى الطرق المشروعة لصيد السمك بالأساطيل و بالشباك, قد تؤثر بشدة في نقص عشائر السمك, و يغدو من الضروري إعادة زرع أسماك صغيرة في نفس المياه, تُربى بطريقة صناعية تحت ظروف تقلل من معدل الموت الكبير لصغار السمك في الظروف الطبيعية .
تلوث النهر
هناك سبب آخر خطير لقتل السمك, ألا و هو تصريف كسح المجاري و المخلفات الصناعية في الأنهار. و قد تكون هذه المواد سامة.
في حالة مخلفات المجاري, فإن تحلل المواد العضوية قد يقلل الأوكسجين في الماء, و بذلك يخنق كل شيء يعيش فيه.
و يمكن للرقابة التي يفرضها القانون تنقية الأنهار الملوثة, و هذه الأنهار غالباً ما يُزرع فيها سمك يُربى تربية صناعية.
طرق زرع السمك
يُربى سمك التروت TROUT صناعياً على نطاق واسع أكثر من أي نوع آخر من السمك.
فتؤخذ إناث التروت من الماء عندما تتهيأ لوضع البيض الذي يُستخرج بالضغط على البطن, ثم تُخصب بعد ذلك بالحيوانات المنوية المستخرجة من ذكور السمك بنفس الطريقة.
ثم تُوضع على صوان مرصوصة فوق بعضها في مياه جارية ( لا بد أن تكون نقية و بها أوكسجين و درجة حرارتها ثابتة عند مستوى معين ).
و يوجد على صغار التروت بعد الفقس انتفاخ يُسمى كيس المح, تمتص منه غذاءها لفترة ما, و عندما ينتهي كيس المح, فإنها تتغذى على الكائنات النباتية و الحيوانية الدقيقة الموجودة في الماء.
و يمكن استخدام سمك التروت المربى بهذه الطريقة في إعادة زرع المياه التي يستغلها هواة صيد السمك, أو يمكن حفظه في برك و إمداده بكميات كافية من الطعام لتسمينه لغايات التجارة.
زراعة الأسماك البحرية غير مألوفة, و لكنها أُستخدمت في الدنمارك بالنسبة إلى سمك موسى الصغير, مما يجعله يتكاثر بأعداد كبيرة في المستنقعات القريبة من البحر, ثم يُمسك و يُنقل و هو حي إلى مستنقعات ملحية مقفلة, و يبقى هناك حتى ينمو إلى حجم أسماك السوق, و يتعاون جميع الصيادين في القيام بالعملية كلها, و في النهاية يتقاسمون الأرباح الناتجة من بيع السمك.
برك السمك
زرع البرك بالسمك ثم تغذيتها لتعد للطعام, عملية ترجع إلى زمن بعيد.
ففي العصور الوسطى, كان يوجد لكل دير بركة بها سمك المبروك الذي كان يُربى لإمداد الرهبان بالسمك في الأوقات التي كان يُنتظر امتناعهم فيها عن أكل اللحوم.
و يُعتبر الصينيون من أهم من يربون هذا النوع من السمك .
عموماً تُحفظ بعض أنواع السمك في بركة , و من بينها سمك مبروك الحشائش الذي يتغذى على الحشائش و أوراق الأشجار التي تُلقى في البركة, إذ أن له أسناناً في حلقه لطحن الحشائش.
و تُخصِب إفرازات سمك مبروك الحشائش الطين الموجود في قاع البركة, مما يُسبب نمو حيوانات و نباتات دقيقة كافية في البركة , تتغذى عليها الأنواع الأخرى الموجودة من السمك, و هكذا لا يضيع شيء هباء.