عندما نود أن نتكلم عن الإمبروطورية العربية , فلا بد لنا أن نبدأ حديثنا عن أهل الجزيرة العربية في العصر الجاهلي.
كان أهل الجزيرة العربية يعيشون عيشة القبائل البدوية الرحالة, متنقلين في طلب الرزق من واحة إلى أخرى . و كان الجزء الخصب الوحيد في أوطانهم هو الجزء الساحلي, حيث كان بعض الأهالي يعيشون عيشة مستقرة, و يبذلون بعض المحاولات لزراعة أرضهم.
لكن الأهالي كانوا يعيشون أساساً في بقية أنحاء البلاد على التجارة, يسافرون شمالاً و جنوباً عبر الصحراء في قوافل طويلة ( القافلة عبارة عن رتل من الجمال تحمل فوق ظهورها البضائع التجارية ).
كانت فكرة العرب عن الدين غاية في البساطة . فكانوا يعبدون الأصنام , و يختارون آلهتهم من بينها, كل قبيلة أو قبائل تعبد صنماً, إليه تتجه, و منه تستمد العون و إليه تقدم القرابين و النذور ... و غيرها .
هكذا كانت الجزيرة العربية بلاداً فقيرة بدائية . و لكن في غضون سنة 570 بعد الميلاد , شهدت مدينة مكة مولد إنسان عُهدت إليه مهمة تغيير معالم هذه البلاد تغييراً تاماً .
بشر هذا الإنسان الكريم بدين جديد سرعان ما استمال إليه النفوس , فدخل الناس فيه أفواجاً عن عقيدة و إيمان - و بقي إلى يومنا هذا أحد أكبر الأديان في العالم - . فأنشأ إمبراطورية انتهى أمرها في النهاية إلى أن تكون أكبر من تلك التي كانت لروما .
كان هذا الإنسان هو النبي الرسول محمد صلى الله عليه و سلم , و الدين الذي دعا إليه هو الإسلام .
محمد
نشأ محمد النبي الرسول يتيماً فكفله عمه أبو طالب . و قد اشتغل راعياً, ثم عمل في التجارة فكان الصادق الأمين, و تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد .
كان يقضي وقتاً طويلاً متأملاً مفكراً, معتكفاً في الغيران و أشهرها غار حراء, و خلال ذلك الوقت هبط عليه الوحي ليبلغ رسالة الله و يُعلم شعبه طقوس الدين الجديد . و في بداية الأمر لم يستمع أهل مكة إلى رسالته و اضطهدوه و آذوه هو و أنصاره, فخرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة التي استقبلته بأهازيج الغناء و الفرح.
و ما لبث أن انتشرت دعوته, و أقبلت القبائل تبايعه على الدين الجديد, دين التوحيد و الحق, فدانت شبه الجزيرة العربية بالإسلام .
قهر الشرق
توفي محمد صلى الله عليه و سلم سنة 632 م , و بعد أن أكمل رسالته و أرسى قواعد الدين السمح الحنيف . و لم يُكره أحداً على اعتناق الإسلام بحد السيف, بل ترك للدول التي فتحها الخيار بين أحد أمرين:-
- إما الإسلام.
- و إما الجزية.
و لم يعرف تاريخ الأديان ديناً قام على التسامح و الإخاء و المساواة مثل الإسلام . و خطط خلفاؤه سياستهم على أساس توحيد القبائل و نشر ألوية الإسلام . و بدأ هذا الأمر على يد الخليفة أبي بكر الذي و إن بدت مدة خلافته قصيرة, إلا أنه قد ظفر ببعض الانتصارات الهامة كانتصاراته على الفرس و الإمبراطورية البيزنطية .
في سنة 634 م بدأ الخليفة عمر بن الخطاب حكمه الذي استغرق عشر سنوات, أُتيح للعرب في خلال هذه الفترة أن يحققوا جانباً من أهم انتصاراتهم, فاستولوا على أرمينيا من الفرس, كما استولوا على فلسطين و سوريا و مصر من الإمبراطورية البيزنطية .
كان عمر من أكبر الخلفاء الراشدين الذين عرفهم العرب . فلم يكن مقاتلاً كبيراً فحسب, و لكنه كان كذلك منظماً عظيماً . فقد أدرك أن الإمبراطورية الجديدة تزداد كبراً و اتساعاً, حتى إنه ليصعب حكمها جميعاً من مكة . فقام بِ :-
- قسم البلاد التي تم فتحها إلى ولايات .
- و وضع كل ولاية تحت إمرة وال أمين .
- كذلك قرر أنه يجب أن يكون لكل ولاية قاض للإطمئنان إلى سلامة تنفيذ التشريعات الإسلامية.
في سنة 644 م أُغتيل عمر بيد عبد فارسي هو لؤلؤة المجوسي . فأعقب عمر الخليفة عثمان, و كانت جيوش المسلمين في ذلك الوقت تتطلع إلى بلاد جديدة : شمال أفريقيا . و بغزوهم لمصر سنة 639 م اندفعوا أماماً إلى برقة ثم طرابلس, و بذلك أصبح في حوزتهم الآن جزء كبير من الشرق .
أثناء حكم عثمان حدثت بعض الاضطرابات و القلاقل في الجزيرة العربية نفسها, فقتل عثمان في بيته و هو يتلو القرآن من مصحفه. و خلفه على إمارة المسلمين علي بن أبي طالب.
بيد أن معاوية بن أبي سفيان , يؤازره نفر من المسلمين, خرجوا على طاعة علي , و نشبت بين علي و خصومه معارك كاد أن ينتصر فيها انتصاراً ساحقاً, لولا أن خصومه لجأوا إلى خدعة التحكيم . و انتهت الحال بعد ذلك بمقتل علي بن أبي طالب آخر الخلفاء الراشدين.
و ما لبثت أن نُقلت العاصمة من مكة إلى دمشق في سوريا, و كان هذا تغيراً له دلالته, ذلك أن دمشق أصبحت إذ ذاك مركزاً للإمبراطورية الإسلامية, و فقدت الجزيرة جانباً كبيراً من أهميتها .و أصبحت مجرد إقليم . و لكن مكة و المدينة بقيتا على قدر كبير من الأهمية, بوصفهما مدينتين دينيتين.
قهر الغرب
كلما اتسعت رقعة الأراضي التي فتحها المسلمون, كلما كبر جيشهم و نما, ذلك أن الشعوب التي دخلت في دين الإسلام كانت تنضم إلى صفوفه .
و في سنة 669 م أبحر الجيش الإسلامي في طريقه إلى القيام بعملية من أهم عملياته, و هي غزو القسطنطينية العاصمة البيزنطية و بوابة أوروبا.. إذا سقطت انفتح الطريق و وضحت الرؤية, و ذُلل السبيل إلى القارة.
كانت القسطنطينية منيعة الموقع حتى إنها لا يمكن غزوها من البر إلا من جانب واحد, ذلك أنها تواجه البحر في كل جهاتها الأخرى. و ربما كان هذا هو السبب الذي من أجله فشلت الحملات البرية الأولية التي وُجهت إليها. و لكن بعد مرور سنوات قليلة, و في خلال سنة 674 م , بدأت بين البلدين المعارك البحرية التي استغرقت سبع سنوات.
و مرة أخرى فشل العرب في إحراز النصر الذي كانوا يصبون إليه بالإستيلاء على هذه المدينة, و من ثم اتجهوا قدماً إلى الأمام لغزو شمال أفريقيا, فحالفهم التوفيق.
و بعد بضع سنوات من قتال مرير ضد البربر ( مواطنو شمال أفريقيا ) كانت تونس و الجزائر و مراكش قد قُهرت, و كان هذا الظفر معناه أن العرب أصبحوا الآن على بعد كيلومترات قليلة من الطرف الجنوبي لأوروبا , و أن أسبانيا أصبح الطريق إليها أسهل لبلوغ القارة من طريق القسطنطينية.
غزو أوروبا
في سنة 711 م بدأ المسلمون غزوهم لأوروبا. فقد عبر جيش كبير تحت إمرة القائد طارق بن زياد ( و هو بربري الأصل اعتنق الإسلام ) المضيق المائي الذي يفصل أفريقيا عن أوروبا, و من ثم سُمي هذا المضيق بجبل طارق .
في أسبانيا قاتل المسلمون القوط الغربيين الذين كانوا يحتلون البلاد في ذلك الوقت , و في أقل من سنتين أُتيح لهم أن يسيطروا على كل شبه جزيرة أيبريا ( أسبانيا و البرتغال ).
ثمة خطة كان يجري إعدادها لقهر بقية أوروبا, و هي أنه بينما يجتاز جيش من المسلمين جبال البرانس ليدخل فرنسا, كان هناك جيش آخر موجه إلى غزو القسطنطينية. و لفترة من الوقت ظلت أوروبا خلالها في خطر كبير , و لكن انتهى الأمر أخيراً بعدم نجاح هذه الخطة. فقد صمدت القسطنطينية للغزو .
بينما في فرنسا انتصر شارل مارتل قائد الفرنجة على المسلمين و أوقف تقدمهم, و كان ذلك سنة 732 م.
انحدار الإمبراطورية العربية
في الوقت الذي كان فيه يتم غزو أوروبا, كانت الإمبراطورية العربية تمتد من نهر الهندوس في الهند إلى المحيط الأطلنطي, و قد اتضح أن مهمة حكم مثل هذه المساحات الشاسعة من البلاد التي تسكنها شعوب مختلفة إنما هي مهمة من الصعب جداً أن يباشرها الخلفاء و مستشاروهم.
و ابتداءً من منتصف القرن الثامن, أخذت ولايات مختلفة تتقلص من ارتباطاتها بالسيطرة العربية و تُنشىء هي نفسها حكومات لها مستقلة, حدث هذا بالنسبة لأسبانيا أولاً ثم مصر ثم مراكش ثم إيران.
و مما هو جدير بالذكر أنه كانت تحدث بين الحين و الحين غزوات جديدة, مثلما حدث في آخر القرن التاسع حينما تمكن عرب تونس من احتلال صقلية و جنوب إيطاليا. و لكن قوة العرب كانت آخذة في الانحدار. و في القرن الحادي عشر انهارت انهياراً تاماً أمام تقدم الأتراك.
و هكذا غرب نجم الإمبراطورية العربية التي حطمت سلطان الفرس و تحدت الإمبراطورية البيزنطية, و التي كانت لفترة ما تهدد بقهر كل من الغرب و الشرق.