إن الإستجابة مظهر مميز جداً عند الحيوانات, و هي موجودة أيضاً في النباتات .
إذا ربت على ظهر شخص ما و هو يسير في الشارع, فإنه سرعان ما يستدير ليرى الشيء الذي لمسه. لقد استقبل فعلاً من الخارج منبهاً ينتج عنه بالتالي استجابة ( عملية الإستدارة ). و يحدث هذا لأننا حساسون و لنا القدرة على إستقبال مؤثرات خارجية و التفاعل معها بعدة طرق.
أما النباتات فلها القدرة على استقبال المنبهات إلى حد ما, و بعضها يؤدي إلى آليات في غاية التعقيد. و يكون تفاعلها عادة هو تمكينها من النمو بشكل أفضل, و قد تتفاعل مع تشكيلة كبيرة من المحفزات. فهي تستدير في اتجاه مصدر الضوء أو بعيداً عنه.
و تستجيب أجزاء النبات المختلفة للجاذبية الأرضية. كذلك تتحرك النباتات استجابة للمس, و للحرارة, و ضغط المواد الكيميائية.
الإستجابة للضوء
1- الانتحاء الضوئي :-
إذا احتفظت بنبات في غرفة, و تحققت من بقائه دوماً في نفس الوضع دون إدارته, فمن المحتمل أن تجد الساق و قد انحنت في اتجاه النافذة.
سبب ذلك أن النباتات تعرف الضوء و تستجيب له بالإنحناء, أو باستدارة أوراقها نحو مصدر الضوء.
كيف يحدث هذا؟
تحتوي جميع النباتات على مادة كيميائية تُسمى الأوكسين AUXIN , لها القدرة على إحداث استطالة في الخلايا . و إذا تعرض الأوكسين للضوء فإما أن يتلف, و إما أن يصبح أقل فاعلية.
و على ذلك فإن خلايا الجانب الذي يواجه الضوء من الساق, يقل نشاطها في النمو, بينما تستمر خلايا الجانب المظلم منه في النمو, مسببة بذلك انحناء الساق.
2- التحرك الضوئي :-
لو راقبنا وضع وضع الأوراق في نبان الخس, أو الست المستحية... أثناء النهار, ثم لاحظنا نفس الأوراق أثناء الليل, فإننا سنرى أنها قد غيرت من وضعها, ذلك أن هذه النباتات حساسة لتغيرات الضوء و تستجيب لذلك بالحركة.
كيف يحدث هذا؟
توجد عند نقطة اتصال الأوراق بالساق اسطوانة من خلايا ممتلئة بالعصارة, إلى درجة أنها تحمل الأوراق قائمة إلى أعلى.
لكن في الظلام, تقل كمية العصارة حتى ترتخي هذه الخلايا و لا تقوى على حمل ثقل الأوراق. و بالتالي تنحني الأوراق.
الإستجابة للجاذبية الأرضية ( الانتحاء الأرضي )
إذا نظرنا إلى شجرة صنوبر نامية على جانب جبل, لرأينا أنها لا تنمو بزاوية قائمة مع سطح الأرض, بل تنمو دائما رأسية إلى أعلى.
و بالمثل إذا وُضع نبات في إناء على جانبه, فإن الساق تنحني تدريجياً إلى أعلى حتى يصبح وضعها رأسياً. و بعض النباتات تبدأ في عمل ذلك في دقيقتين!! و جميع النباتات, منذ لحظة إنباتها, تتخذ وضعها بحيث تتجه جذورها إلى أسفل و سيقانها إلى أعلى.
يبين هذا السلوك أن النباتات قادرة على الإحساس بجاذبية الأرض و الإستجابة لها بأن تميل بما يتفق معها.
كيف يحدث هذا؟
تحتوي العصارة في بعض خلايا الساق على حبيبات نشوية صغيرة لا حصر لها, تستقر على الجدار السفلي للخلية كحبات خرز في قاع كيس.
هذه الحبيبات يُطلق عليها اسم حصى التوازن, تُحفز نشاط الأوكسين في الجزء السفلي من الخلايا, بحيث تستطيل الخلايا في جوانبها المواجهة لمركز الأرض, مما يجعل النبات يتخذ وضعاً رأسياً.
من الجدير بالذكر, إن كثيراً من الحيوانات لها أعضاء تعمل بنفس الطريقة, إلا أنها تستجيب أسرع كثيراً من النباتات.
الإستجابة للمس عند النبات
إذا لمسنا محلاقاً من محاليق نبات القرع بقطعة من غصن نبات, فإنه يستجيب بعد دقيقة تقريباً بالانحناء في الاتجاه الذي حدث فيه اللمس, مما ينم عن قدرة تشترك فيها نباتات كثيرة, على الاحساس بالضغط و الاستجابة له.
الواقع أن ذلك يدل على وجود حاسة اللمس. و كثير من السيقان, و الأغصان, و الأوراق, و الجذور الهوائية, قادرة على أداء حركات عند لمسها, بيد أن من أوضح أمثلة الحساسية للمس هي النباتات المتسلقة المزودة بحوالق ( محاليق ) , فهي قادرة على الإلتفاف حول الدعامة منذ اللحظة التي يتلامسان فيها.
في بعض البقول المتسلقة, نجد أن الساق نفسها هي التي تقوم بهذه المهمة.
كيف يحدث هذا؟
لو نظرنا خلال المجهر إلى جزء حساس لمحلاق, لوجدنا أن البروتوبلازم الشديد الحساسية لخلايا البشرة الخارجية, يكاد يقع كله على سطح الخلية بدلاً من وجوده بالداخل. بهذه الطريقة تتكون زوائد لامسة غاية في الحساسية للمس.
و إذا لُمست هذه الزوائد أو حتى مُست مساً خفيفاً بخيط, تكونت مادة كيميائية أو هرمون ينتقل في المحلاق بسرعة إلى الجانب الآخر منه.و في هذا الجانب تتحفز الخلايا إلى الاستطالة ( و ربما كان ذلك بفعل الأوكسين ) , فينحني المحلاق. و آلية العملية هنا شبيهة بآلية الانتحاء الضوئي.
مما يُثير الفضول حقاً, حساسية النباتات آكلة الحشرات:-
ففي عدة أنواع من نبات DROSERA ( دروزيرا ) و نباتات أخرى معينة, نجد أن الأوراق تزدان بلوامس دقيقة لزجة حول حوافها. و ما إن تلمسها حشرة , حتى ينتقل المحفز سريعاً إلى قاعدة اللوامس, فينتج عنها استطالة سريعة في خلاياها, و تنثني ناحية وسط الورقة فتقتنص الحشرة. بعد ذلك يتم الهضم بواسطة عصارات تُفرز لهذا الغرض.
في حالة خُناق الذباب, تنطبق حافتا الورقة على الحشرة بسرعة مذهلة تبلغ من جزء إلى جزئين من المائة من الثانية.
في النبات الحساس المعروف باسم ميموزا بوديكا MIMOSA PUDICA , تنهار الأوراق و تتدلى عند لمسها حتى ليبدو النبات كما لو كان قد ذبل فجأة. و تحدث الحركة بتغيير سريع جداً في ضغط عصارة بعض الخلايا.
و يمكن للنبات أن يستجيب في مدى 4 إلى 8 من المائة من الثانية بعد لمسه, و ينتقل المؤثر الذي يسبب انطباق الأوراق في نبات الميموزا, بسرعة عشرة سنتيمترات في الثانية الواحدة.
الإستجابة للمحفزات الكيميائية ( الانتحاء الكيميائي )
لنفرض أننا دأبنا على ري الأرض حول نبات ما من جهة واحدة فقط مدة من الزمن, فماذا عسانا أن نكتشف لو أننا فحصنا الجذور؟
نكتشف أن جميع الجذور قد اتجهت صوب الجهة التي كانت تُروى بالماء. و يحدث نفس الشيء لو أننا دأبنا على تسميد التربة من جانب واحد فقط.
بهذه الطريقة يتضح لنا أن النبات يتأثر بالتحفيز الكيميائي للماء, و المواد المعدنية, و الغازات, و ثاني أكسيد الكربون.
كيف يحدث هذا؟
ربما كان الانتحاء الكيميائي كالانتحاء الضوئي و التأثر باللمس, ناتجاً عن نقص في نمو الخلايا في جانب واحد من الجذر أو الساق.
الإستجابة للحرارة ( الانتحاء بالحرارة )
لو أخذنا نبات تيوليب TULIP من الخارج و وضعناه في غرفة أكثر دفئاً بعشرين درجة, فإن البتلات تتفتح في دقائق قليلة, و يحدث العكس لو أعدنا التيوليب للخارج ثانية.
و كثير من النبات مثل شقائق النعمان, و الزعفران, و الحماض ..... يمكنها أن تتأثر بتغيرات في الحرارة جد طفيفة و تستجيب لها, فيتأثر نبات الحماض إذا تغيرت درجة الحرارة درجة فهرنهيتية واحدة.
كيف يحدث هذا؟
يتمدد السطح العلوي للبتلة نتيجة زيادة درجة الحرارة, و إذا انخفضت الحرارة, فإن السطح السفلي هو الذي يتمدد مما يجعل البتلة تنطوي على نفسها للداخل و تقفل.
الحركات التلقائية للنبات
شوهدت في النباتات حركات لا تعتمد على محفز معين, و تُعرف هذه بالحركات التلقائية.
فأطراف المحاليق مثلاً يمكنها أن تتحرك حركات دائرية تستمر من أربعين دقيقة إلى بضع ساعات عندما تبحث عن دعامة. و يرجع ذلك إلى أن أحد جانبي المحلاق ينمو أسرع من الجوانب الأخرى.
و النباتات المتسلقة هي الأخرى تُسرع بالنمو في هذا الجانب أو ذاك فترات من الوقت, كي تتمكن من التسلق بحركة دائرية.
مما تجدر الإشارة إليه: أن الشكل اللولبي أو الحلزوني الذي تصنعه جميع النباتات المتسلقة تقريباً, يسير في التفافه من اليمين إلى اليسار.
ذاكرة النباتات
النباتات هي الأخرى لها ما يشبه الذاكرة, و لتوضيح ذلك:-
تستجيب بعض النباتات لتعاقب الليل و النهار بتغيير وضع أوراقها. فإذا تم نقل مثل هذا النبات إلى غرفة مظلمة نهاراً و مُضاءة إضاءة قوية في الليل, فإنه يكيف نفسه مع الوضع الجديد ( للنوم ) في الظلام, و ( الاستيقاظ ) في الضوء.
إلا أن هذا التكيف ليس سريعاً. فالأوراق تتحرك بغير انتظام فترة من الزمن, كما لو كانت اختلط عليها الأمر في تذكر النهار و الليل.
تابع أيضاً: أهمية النبات في حياة الإنسان