ما من شك أن كل إنسان قد سمع بمرض خطير, جرى العرف على تسميته بشلل الأطفال, و هو مرض يُصيب الأطفال بوجه خاص, و لكنه ليس مقصوراً عليهم وحدهم بأي حال.
فما هو سبب هذا المرض, و كيف تحدث آثاره المدمرة؟
لكي نفهم ذلك, يجب أن نستعيد بعض سمات التشريح البشري.
شلل الأطفال و علاقته بالنخاع الشوكي
إن الخلايا التي تتأثر بفيروس شلل الأطفال , توجد في المخ و النخاع الشوكي, و كما يستقر المخ داخل الجمجمة, فإن الحبل الشوكي أيضاً يوجد داخل أنبوبة عظمية طويلة تُحيط به و تحميه , و تتكون من حلقات من الفقرات تستقر فوق بعضها البعض , و تُسمى هذه الأنبوبة القناة الشوكية أو القناة الفقرية.
و الحبل الشوكي أبيض اللون, و يبلغ قطره حوالي نصف بوصة, و طوله حوالي 18 بوصة في الشخص البالغ. و يتفرع منه 31 زوجاً من الأعصاب, التي على مسافات منتظمة على طول الحبل الشوكي بين الفقرات. و تمتد هذه الأعصاب إلى مختلف أجزاء الجسم بما فيها العضلات و الجلد.
و لكل عصب جذران منفصلان في الحبل الشوكي, جذر خلفي أو ظهري يتكون من الألياف العصبية التي تنقل الإحساسات من أعضاء الحس إلى الحبل الشوكي, و جذر أمامي أو بطني تحمل أليافه التنبيهات الحركية إلى العضلات .
و تبعاً لذلك يُطلق على هذين الجذرين, الجذر الظهري الحسي و الجذر البطني الحركي. و بعد أن يُغادر الجذران العمود الفقري, يتحدان و يكونان حزمة واحدة من الألياف تُسمى الجذع العصبي .
يوجد داخل الحبل الشوكي مادة رمادية تشبه المادة الخارجية للمخ تقريباً, هذه المادةتتكون من أربعة أطراف ( قرون ) , يُسمى الطرفان المتجهان إلى الأمام القرنان الأماميان أو البطنيان, و القرنان المتجهان إلى الخلف يُطلق عليهما القرنان الخلفيان أو الظهريان.
إن خلايا المادة الشبيهة بالنخاع, و الموجودة في القرن الأمامي, هي نفسها التي تتعرض لهجوم فيروس شلل الأطفال.
على هذا, فإن مرض شلل الأطفال, إن هو إلا مرض يُصيب الخلايا الموجودة في القرون الأمامية لنخاع الحبل الشوكي. و تشكل الامتدادات الطويلة لهذه الخلايا الأعصاب الحركية المتجهة إلى العضلات.
فيروس شلل الأطفال
إنه من الصعب أن نتبين هل يمكن اعتبار الفيروس كائن حي أو مركب كيميائي معقد, فالفيروسات تملك القدرة على التكاثر, و لكنها أيضاً قد تتجمع لتشبه التركيب البلوري الذي نعرفه عن المواد الكيميائية.
- الفيروسات في الحقيقة نوع من الحلقات التي تصل بين ما هو حي و ما ليس كذلك.
- لكن لكي تتكاثر الفيروسات, لا بد أن تنفذ إلى داخل الخلايا الحية.
- يبلغ قطر معظم الفيروسات أقل من 0.2 ميكرون, و لا يمكن رؤيتها إلا بواسطة المجهر.
- تتسبب الفيروسات المختلفة في إحداث العديد من الأمراض المعدية مثل نزلات البرد و الإنفلونزا و الحصبة و الجدري و شلل الأطفال.
في حالة شلل الأطفال, يتسلل الفيروس إلى الجسم عبر أغشية القناة الهضمية, و من هناك يسري مع تيار الدم, و قد يغزو الجهاز العصبي المركزي, حيث يوطد وجوده في خلايا القرن الأمامي للحبل الشوكي.
شلل الأطفال و تدمير الخلايا العصبية
حينما تشن الفيروسات هجومها على الخلايا العصبية للقرن الأمامي, فإن ذلك يسفر عن تدميرها تماماً و اختفائها بسرعة - قد لا تكون إلا ساعات قليلة - كما تضمر أليافها العصبية.
و لما كانت كل مجموعة من الخلايا تنقل التنبيهات إلى عضلات معينة عن طريق الجذور العصبية الحركية, فإن هذه العضلات تُصاب بالشلل حينما يتم تدمير الخلايا العصبية .
يوجد في الإنسان حوالي 800000 خلية عصبية في القرن الأمامي للحبل الشوكي. و قد يتمكن الفيروس من تدمير الخلايا تارة في جزء من العمود الفقري, و تارة أخرى في جزء آخر, مرة في أحد القرون, و مرة ثانية في القرنين معاً.
لهذا السبب فإن الأعصاب و العضلات المعينة التي حُرمت من التنبيهات الحركية, تختلف اختلافاً كبيراً و يظهر الشلل في أحد أجزاء الجسم, و مرة ثانية في مكان آخر.
و حين تموت مئات أو آلاف قليلة من الخلايا العصبية, فقد لا ينتج عن ذلك إلا مجرد ضعف في العضلات إلى حد ما.
أما إذا دُمِر ثلثا الخلايا أو أكثر و التي تعتمد عليها مجموعة من العضلات, فإنه ينتج عن ذلك شلل كامل.
في بعض الحالات يتم تدمير الخلايا العصبية التي تتحكم في عضلات الحجاب الحاجز و الضلوع, و هذه العضلات بمثابة المنفاخين اللذين ينفخان الرئتين, فإذا أُصيبا بالشلل فسرعان ما يموت المريض اختناقاً, إلا إذا استعمل جهازاً خاصاً يُطلق عليه الرئة الحديدية بغرض إحداث تنفس صناعي بصفة مستمرة.
أعراض مرض شلل الأطفال و مساره
إن شلل الأطفال عدوى شائعة جداً, و لكن معظم الإصابات طفيفة لدرجة أنها تمر دون تشخيص, و يحتاج الأطباء إلى إجراء تجارب عملية مضنية لكي يكتشفوا الإصابات الخفيفة التي من هذا القبيل.
و الجدير بالذكر أن هناك ثلاثة أنواع مختلفة من فيروس الشلل و أنه من الممكن أن يُصاب الإنسان على فترات مختلفة بكل واحد منها.
أما النوبات الخطيرة لشلل الأطفال :-
- تبدأ فجأة بصداع و ارتفاع في درجة الحرارة,و قد يُشفى المرضى الذين يصابون بهذه الطريقة من غير أن تظهر أعراض أخرى.
- يُصاب بعضهم بالشلل الذي يُعتبر من معالم العدوى الشديدة, و عادة ما يختفي المرض بعد أسبوعين.
- في الحالات الخطيرة, يبقى الشلل مدى الحياة.
الإحتياطات الوقائية ضد شلل الأطفال
إن الاحتياطات الوقائية ضد المرض تساعد على الحد من انتشاره, و إذ كان فيروس الشلل يخرج من الجهاز الهضمي, فإن:-
- النظافة المنزلية و الشخصية و خاصة نظافة اليدين.
- حماية الأطعمة من التلوث.
تُعتبر قواعد أولية لمنع المرض.
تطعيم شلل الأطفال و المضاد الحيوي
أنتج الطبيب الأمريكي جوناس سولك مصلاً مضاداً للمرض سنة 1955م, و يستعمل المصل منذ ذلك الحين في جميع أنحاء العالم, و قد أسفر عن نتائج طيبة.
يتم التطعيم بمصل سولك عن طريق حقنة ثلاث أو أربع مرات, و بعد الحقنة الثانية تقل فرصة الإصابة عنها في الأشخاص الذين لم يُجرَ تطعيمهم إلى حوالي الربع, و تنخض هذه الفرصة إلى العشر بعد الحقنة الثالثة.
ابتكر حديثاً الدكتور ألبرت سابين - و هو أمريكي أيضاً - مصلاً يمتاز بِ :-
- لا يحتاج إلى الحقن و يمكن إعطاؤه عن طريق الفم.
- يوفر حماية بسرعة كبيرة من شلل الأطفال .
- مصنوع من فيروسات حية, سُلبت منها قدرتها على إحداث شلل.
المصدر